للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الوقت العلم؟ قالت: نعم، قال: فتجتمعون للمذاكرة؟ قال: لقد كنا نجتمع ولقد ألقينا المدونة في شهر ندرس النهار ونلقي الليل فما علمت أنا نمنا ذلك الشهر ... ثم قال لي: أي كتاب في أيديكم تدرسونه؟ فقلت العتق الأول، فألقى علي من أوله وسرد المسائل حتى كأن الكتاب في يده. قال: وكان ينزع بالقرآن والسنة، وكان العلماء الفصحاء بين يديه كالغلمان بين يدي المعلم من هيبته" (١).

من خلال هذا النص يتبين لنا أن الفقهاء كان لهم تعاطف وإعجاب، بل وتنويه بهذا الزاهد السني. وهذا شأنهم مع كل من لم يحد عن النهج القويم.

لكن صفاء هذه العلاقة الودية عكرها بعض من لم يلتزم بالضوابط والقواعد الشرعية. ولا شك أن رحلات الإفريقيين إلى الشرق كانت من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار الأنماط السلوكية الخاصة بأهل التصوف.

فبدأ المتصوفة بعد هذا يتميزون عن الفقهاء، وبدأت تلوح بوادر الصراع بين العلماء المحافظين على سلامة العقيدة في جوهرها ومظهرها وبين الصوفية المبتدعة. فهذا يحيي بن عمر بن يوسف الكندي (ت) ٢٨٩ ألف كتابًا في النهي عن حضور مسجد السبت، وأفتى بهدمه، وكان يجتمع فيه بعض أهل الزهد والصلاح وتنشد فيه الأشعار (٢).

وهذا ابن أبي زيد- شيخ المالكية- يؤلف كتابين في الرد على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد البكري (٣)، الذي ألف كتابًا في الكرامات سماه "كرمات الأولياء المطيعين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان". ويبدو أن أبا القاسم هذا كان في طليعة من أدخلوا آراء الصوفية وقواعدهم المنحرفة إلى إفريقية.


(١) المصدر السابق ٦/ ٢٢٥.
(٢) ترتيب المدارك ٤/ ٣٦١، والديباج المذهب ص: ١٠٧.
(٣) كتاب العمر ٢/ ٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>