للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أمر فإن المسألة ظاهرة صحية، تدل على مرونة المذهب، وإمكان استيعابه لأراء متعددة داخل دائرته. ولعله من هذا المنطلق حرص ابن بشير على إيراد هذه الأقوال، بل نص على أن من مقاصده في هذا الكتاب ذكر خلاف المذهب. فقال في المقدمة: "فرأيت أن أملي عليهم من خلاف أهل المذهب، ما يحصل به للجمهور الاستقلال، منبهًا على أوائل التوجيه والاستدلال".

وقال كذلك في كتاب الصلاة الثاني: "هذا أصل الكلام في صلاة الخوف على المذهب وفاقًا وخلافاً." (١).

والكتاب كله شاهد على هذا، فإن كانت المسألة متفقا عليها أشار إلى ذلك. وإن كانت مختلفا فيها داخل المذهب، ذكر ذلك الخلاف. وطريقته في ذلك؛ أن يبدأ بذكر المشهور، ثم يثني بالشاذ، وقد يخالف هذه الطريقة في بعض الأحيان كما هو الشأن في المثالين التاليين، حيث قدم الشاذ على المشهور:

أ- "واختلف هل الأفضل في تشييع الجنازة المتقدم عليها، أو التأخير؟ على ثلاثة أقوال: أحدها أن الأولى المتقدم. والثاني بالعكس، وهما شاذان. والثالث هو المشهور، أن المشاة يتقدمون والركبان يتأخرون." (٢).

ب- "قال في الهارب بماشيته: ولا شك أنه متعد في الهروب، فالواجب عليه متعلق بذمته. فلا يختلف المذهب في ذلك، لكن اختلف إذا زادت نعمه بعد أن كانت ناقصة في أعوام، هل يؤخذ بما يوجد في يده من الزيادة على سائر الأعوام؟ وهو الشاذ من المذهب، أو يؤخذ عن كل عام بما في يده؟ وهو المشهور ... " (٣).

وفي كثير من الأحيان يذكر الأقوال بدون أن ينص على شهرتها أو


(١) انظر ص: ٦٤٤ من هذا الكتاب.
(٢) انظر ص: ٦٩٠ من هذا الكتاب.
(٣) انظر ص: ٩٠٧ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>