للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أمثلة ترجيحه للشاذ ما جاء في حديثه عن تخلف السعاة:

"وهل ينظر إلى ما يوجد عند أرباب الماشية فيقدر كأنه ملكوه [في] كل عام؟ أما إن كانت الماشية فيما تقدم أكمل، فلا خلاف أنهم لا يضمِّنون أرباب الأموال وإنما يأخذون عن الأنقص. وأما إن كانت أنقص فكملت فهاهنا قولان: المشهور من المذهب أنهم ينظرون إلى حالة الوجود فيزكون على مقدارها لما تقدم من السنين. والشاذ أنهم يزكون عن كل عام بقدر المملوك فيه، وهذا [هو] القياس، لأن من تخلف عنه السعاة غير متهم" (١).

ومن أمثلة التنصيص على شهرة القولين معاً قوله: "وإن ركع في بيته للفجر ثم أتى المسجد فهاهنا قولان مشهوران: أحدهما: أنه يركع في المسجد ركعتين للأمر بالتحية. والثاني: أنه لا يركع للحديث المتقدم في نفي الركوع بعد الفجر" (٢).

بعد هذا بقي سؤال يطرح نفسه بإلحاح، وهو ما هو موقفه من العمل بالراجح في مقابل المشهور؟

الحق أنه لا يمكنني أن أحدد موقفه بدقة من خلال ما بيدي من كتاب التنبيه؛ إذ ربما يتجلى موقفه أكثر في كتابه النوازل المفقود، الذي يكون النظر الفقهي فيه عملياً؛ لأن الجواب فيها يتنزل على مقصود السائل وهو التطبيق في الواقع، أما كتاب التنبيه فقد يكون سلك فيه مسلك التفقه بالرجوع إلى الأقوال المرجوحة والشاذة للنظر فيها من الناحية النقدية والتوجيهية، وهي الطريقة التي يقصد بها تأسيس المذهب من جهة والتمرن على استثمار الأحكام من جهة أخرى.

ولا نستغرب هذا إذا علمنا بأن الشيخ المازري كان لا يفتي إلا بالمشهور بالرغم من بلوغه درجة الاجتهاد.

وعلى هذا النهج سار كثير من الفقهاء، حتى وصل التعصب للمشهور قمته عند إبراهيم بن هلال (ت ٩٠٣هـ) الذي قال: "لا يجوز لأحد أن يفتي


(١) انظر ص: ٩١٠ من هذا الكتاب.
(٢) انظر ص: ٤٩٦ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>