للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الرغم من عدم التسليم بكل ما جاء في هذا النص، فإن الذي يعنينا منه، هو أن هذا العصر كان عصر خدمة المذهب.

ولنعد إلى شيخنا، لنشير إلى أنه اختصر الخلاف في تحديد المعنى المراد بالمشهور؛ فحصره في قولين بدلاً من ثلاثة، قال ابن فرحون: "وقد اختلف المتأخرون في رسمه فقيل: المشهور: ما قوي دليله، وقيل: ما كثر قائله، حكاهما ابن بشير ... " (١). وبهذا يكون قد أزاح القول الثالث الذي يرى أن المشهور هو: قول ابن القاسم.

وبالاستقراء والتتبع تبيين لي أنه يقصد بالمشهور: ما كثر قائله، بغض النظر عن رجحانه أو عدم رجحانه، وقد تبين لي ذلك من خلال بعض الأمور منها: أنه ينص على رجحان المشهور في مقابل الشاذ، كما أنه ينص على رجحان الشاذ، أو يلمح إليه بدون تصريح.

ولو كان يقصد بالمشهور الراجح؛ لما احتاج إلى الإشارة إلى رجحانه ولما احتاج إلى التنبيه على رجحان الشاذ، ويزكي هذا تنصيصه في بعض الأحيان على شهرة القولين معا، مما يدل على أنه يقصد انتشارهما واشتهارهما بين الناس. لا رجحانهما، إذ يستحيل ذلك، اللَّهم إلا على قول المصوبة، وابن بشير ليس منهم.

وأجلي ما قلت بالأمثلة:

فمن أمثلة تنصيصه على رجحان المشهور قوله في الزروع التي تسقى بالسيح:

"فإن كان يشرب بالسيح لكن رب الأصول لا يملك الماء وإنما يشتريه بالثمن ففيه قولان: والمشهور - وهو الصحيح - أنه يزكي بالعشر، إذ فيه نص الحديث." (٢).


(١) كشف النقاب الحاجب ص ٦٢، وتبصرة الحكام ١/ ٥٠.
(٢) انظر ص: ٩١٩ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>