للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي هم الأسباب التي جعلت مالكية الغرب الإسلامي لا يواجهون العقيدة الأشعرية بمثل ما واجهوا به باقي العقائد. ورغم وجاهة هذه الأسباب، إلا أنها لم تشفع لها عند كثير من علماء الغرب الإسلامي الذين لا يبغون بديلًا عن عقيدة الإمام مالك السلفية، ولم يرضوا أن يحيدوا عنها قيد أنملة. فهذا شيخ المالكية بالقيروان ابن أبي زيد القيرواني رغم إجلاله واحترامه ودفاعه عن أبي الحسن الأشعري لم يتبعه في عقيدته. ومقدمة رسالته المشهورة دليل على ذلك. فهي من الناحية المنهجية ذات صبغة استعراضية لا أثر فيها للاستدلال العقلي (١)، كما أن الأفهام العقدية الواردة فيها لا تختلف عما كان مألوفًا عند أهل السلف سواء في مسألة الصفات- "فالله على العرش استوى وعلى الملك احتوى، وله الأسماء الحسنى والصفات العلى" (٢) -، أو مسألة القرآن- فهو كلام الله ليس بمخلوق فيبيد ولا صفة لمخلوق فينفد-، أو مسألة علاقة الذات الإلهية بالمكان، وهي قوله: "وأنه -أي الله تعالى- فوق عرشه المجيد بذاته، وهو في كل مكان بعلمه" (٣).

وهذا أبو الحسن اللخمي، فقد وصلنا عنه أنه كان يستثقل علم

الكلام. جاء في المعيار ما يلي: "وسئل المارزي عن قوله - صلى الله عليه وسلم - ما سمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا رطب ولا يابس، وفي لفظ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة (٤) "، فإنه يقتضي أن الجمادات تعقل ذلك.


= الذي كان عليه الحال أيام السلف، فلم يكن ثم لزوم بل ولا مبرر لرواج هذه البدعة، ولذلك قاومها العلماء المغاربة بنصح وإخلاص: جولات في الفكر الإسلامي ص٩٠، وقد أشار إلى هذه المسألة من قبل ابن رشد الجد في مسائله ٢/ ٨٦٠ - ٨٦٢.
(١) فصول في الفكر الإسلامي ص ٢٤.
(٢) الرسالة ص ٧.
(٣) المصدر السابق.
(٤) أخرج البخاري في بدء الخلِق ٣٢٩٦: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضيَ للهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>