للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى هذا النهج كان يذكر الأحداث التي يضطر لذكرها، فتبين لي أن ابن بشير ساهم أيضًا بقسط وافر في التعتيم عن نفسه وعن أخباره.

السبب الثاني: قلة المعتنين بالتاريخ في عصر ابن بشير. وقد أشار إلى هذا صاحب معالم الإيمان في ترجمة أبي عبد الله محمَّد بن أبي الفرج المازري المعروف بالذكي فقال: "ثم انقضت هذه الطبقة بعد الخمسمائة سنة ولم يبق بالقيروان من له اعتناء بتاريخ، لاستيلاء مفسدي الإعراب على إفريقية وتخريبها وإجلاء أهلها عنها إلى سائر بلاد المسلمين وذهاب الشرائع بعدم من ينصرها من الملوك إلى أن من الله على الناس بظهور دولة الموحدين" (١).

السبب الثالث: وهو احتمال أن يكون الموحدون ساهموا في طمس تاريخ هذا الرجل المهتم بالفروع الفقهية.

وقد علمنا أن الموحدين كان من أهدافهم القضاء على المذهب المالكي؛ يقول عبد الواحد المراكشي عن أبي يوسف يعقوب الموحدي: "وكان قصده في الجملة هو مذهب مالك وإزالته من المغرب مرة واحدة، وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث. وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، إلا أنهما لم يظهراه، وأظهره يعقوب هذا" (٢). ويقول أيضًا: "وفي أيامه انقطع علم الفروع وخافه الفقهاء وأمر بإحراق كتب المذهب ... فأحرق منها جملة في سائر البلاد كمدونة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر ابن أبي زيد ومختصره وكتاب التهذيب للبراذعى وواضحة ابن حبيب وما جانس هذه الكتب ونحا نحوها" (٣).

ومن المعلوم أن بضاعة ابن بشير لا تخرج عن هذه الكتب. فلا بدّ إذًا أن يكون من الفقهاء الخائفين، أو الذين أحرقت كتبهم، أو غير ذلك.


(١) معالم الإيمان ٣/ ٢٥٢.
(٢) المعجب ٤٠١.
(٣) المعجب ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>