والأصل في وجوبه الكتاب والسنَّة وإجماع الأمة؛ فأما الكتاب فقول الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، وفيه:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، وقد اختلف هل الإشارة بها إلى رمضان. وهو يسير بالنسبة إلى شهور السنة، فلهذا عبر عنه بأيام معدودات، أو إلى غيره. واختلف القائلون بذلك على ثلاثة طرق: أحدها أنها ثلاثة أيام من كل شهر غير معينة، والثاني أنها أيام البيض، والثالث أنها يوم عاشوراء. وجمعت لأنها تتكرر في العدّ.
فمن قال: الإشارة بها إلى رمضان، جعل ما بعدها من النص على أشهر بيانًا [للإجمال المتقدم]، ومن قال الإشارة بها إلى غيرها جعل ما بعدها من تعيين الشهر ناسخاً.
واختلف في قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} هل هو منسوخ أم لا وهؤلاء يرون أنه كان في أول الإسلام المكلف يخير بين أن يصوم أو يفطر ويطعم، ثم نسخ بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وهو غير منسوخ، ومعنى يطيقونه أي يلزمون به [ويكلفون به، وإن كان عليهم في الأداء مشقة. وقد قرئ يطوقونه أي يلزمونه]. وسيأتي الخلاف في موضعه. والحامل والشيخ الكبير هل تلزمهما الفدية أم لا؟ وهو جار على هذا.
وأما السنَّة فقد نقل وجوبه متواتراً، وتلقته الأمة بالقبول لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ" فذكر فيها صوم رمضان.
وأما الإجماع فهو ثابت قطعاً. قال أبو المعالي: المقصود بالصوم في الشريعة وجهان: أحدهما كسر الشهوتين؛ شهوة البطن والفرج، فإنهما إذا أرسلا على شهواتهما ولم تعود النفوس كسرها دعتا إلى الوقوع في المحظور. وإذا تعوَّد الإنسان إمساكهما عن المباح وأخذ نفسه بذلك قدر على إمساكهما عن الممنوع. فكأن الصوم في الشريعة إمساك عن مباح ليكون حمى للممنوع، وعليه نبه - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ". والوجه الثاني أن المقصود أيضاً كسر الشهوتين. لكن