للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيل له في ذلك، فسأل عن الركوع والسجود هل أكملت؟ فقيل له أكملت، فقال: لا بأس إذاً.

وقد تأول المالكية ذلك على أنه أعاد. وهذا بعيد؛ لأنه يبطل معنى سؤاله عن الركوع والسجود. وتأوله الشافعية على أنه ترك الجهر ولم يترك القراءة جملة. وهذا أقرب من التأويل الأول" (١).

المثال الثاني: " ... وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ [وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ] وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ". وقد تعلق أصحابنا بهذا الحديث في أن المعدَن غير الركاز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماهما باسمين مختلفين. والظاهر أنه لا دليل في ذلك بل [يكاد أن] يكون حجة لأبي حنيفة القائل بأن ما يوجد في المعدن فيه الخمس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم على حكمين مختلفين، فأخبر بأن ما سقط في المعدن أو يسقط عليه المعدن، فهو جبار لا دية فيه. ثم أخبر أن في الركاز الخمس، أي في الركاز الذي يكون في المعدن. وبهذا يحسن تأليف النظم في الحديث، ولسنا لإكمال الحجاج، وإنما نبهنا على أوائله." (٢).

فهذه النصوص معبرة بوضوح على إنصافه وعدم تعصبه لمذهبه وتعسفه على مخالفه، وهي ليست في حاجة إلى تعليق، فالنص الأول صرح فيه ببعد تأويل المالكية وقرب تأويل الشافعية. والنص الثاني صرح فيه كذلك بأن ما تعلق به المالكية لا دليل لهم فيه بل هو حجة للأحناف (٣).


(١) انظر ص: ٤٠٧ من هذا الكتاب.
(٢) انظر ص: ٨٦٠ من هذا الكتاب.
(٣) قارن موقفه هذا مع من يتعصب لرأي أصحابه وينتصر لهم رغم اعتقاده رجحان رأي المخالف. أذكر هنا مثالاً على ذلك أبا الخطاب الكلوذاني الحنبلي (ت٥١٠) الذي صرح في موضعين من كتابه التمهيد بضعف مذهب أصحابه وأصر على نصرته رغم ذلك، وقد صرح بذلك في موضعين من الكتاب. الأول: في مسألة دخول المؤنث في المذكر السالم عند الخطاب وذكر فيها قولين: أحدهما: أنه يدخل، والقول الثاني: أنه لا يدخل وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين وقال عنه: (وهو الأقوى ولكن ننتصر لرأي شيخنا). انظر التمهيد في أصول الفقه ١/ ٢٩١. =

<<  <  ج: ص:  >  >>