للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا هو منهج أشد التصاقاً واحتكاكاً بالمدونة من غيره من المدارس المالكية (١). والكتاب الذي بين أيدينا ناطق بذلك، فبالإضافة إلى أنه حريص على محاذاتها في الشكل والترتيب والتخريج عليها والتنبيه على ما ليس فيها، فإنه كذلك حريص على تتبع ألفاظها، وضبط حروفها وتصحيح رواياتها. وأسوق مثالين يوضحان ذلك:

الأول: قوله: "وفي المدونة في خشاش الأرض أنه لا ينجس ما مات فيه [من الماء]. وإن وقع في قدر فيها طعام أكل ما فيها.

وذكر عن أبي عمران أنه قال سقط من المدونة: "لا"، وإنما الأصل أنه لا يؤكل ما فيها لأنه لا ينجس الماء في الاستعمال، ويُمنع شربه وأكل الطعام لعلة أنه لا يؤكل إلا بذكاة.

وهذا الذي قاله صحيح على أصل المذهب لكنه بعيد أن يقال سقطت لفظة "لا" من جميع الكتب وأغفلها الرواة" (٢).

والثاني: قوله: "وفي المدونة: لا بأس بالخبز من سؤر الفأرة. ويروى بضم الخاء وبفتحها، ومعنى الضم نفس الخبز إذا أكلت منه ... ومعنى الفتح في الخَبْز أنها إذا شربت من ماء فيجوز أن يعجن به، وصوب بعض الأشياخ هذه الرواية ... " (٣).

وعلى الرغم من هذا كله، فإنه لم يصل به اهتمامه بالمدونة واعتماده

عليها وإعجابه بها إلى درجة التحفظ في انتقادها، والتهيب من التنبيه على أخطائها. بل بقدر ما هو معجب بها، ومتمسك بها، بقدر ما ينتقدها حيث


(١) كمدرسة العراق مثلاً التي تأثرت بمحيطها العلمي فجاء منهجها قياسياً جدليًا على نحو واضح، يقول المقري: فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس وبنوْا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات ومناقشة الألفاظ، ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدلائل على رسم الجدليين وأهل النظر من الأصوليين، انظر المصدر السابق.
(٢) انظر ص: ٢٣٠ من هذا الكتاب.
(٣) انظر ص: ٢٣٧ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>