ثم قال: وهذا قول جميع الرواة من أصحاب مالك إلى غير ذلك مما يكثر تتبعه.
فلا تعتقد أن كل ما في المدونة صحيح، وإن في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، صحيح وسقيم، وقد حان أن نرجع إلى الكتاب" (١). انتهى.
وقد أثبت هذا النص على طوله، لأهميته ونفاسته. فهو يوضح بجلاء تحرر المالكية وتمسكهم بالآراء الراجحة ومخالفة الآراء المرجوحة، ولو كانت هي آراء الإمام نفسه.
٢ - الموطأ؛ لقد اعتمد ابن بشير الموطأ، ولكن ليس كاعتماده المدونة، إذ إشاراته إليه ونقوله عنه قليلة جداً إذا ما قورنت بالمدونة، ورغم هذا فإنه كان ينظر إليه نظرة إجلال وإكبار ويرى أنه كتاب علم ألف للعلماء. قال في كتاب المرابحة: "هذه مسألة من مسائل الموطأ قد قرأها سحنون، وكان يقول ما في الموطأ هو أصل علم المدنيين وكثير من أهل العلم أصله في الموطأ، إلا أنه ليس بتفسير يعلمه الجاهل، وإنما هو كلام مجموع من اختيار العلماء ممن قد تبصر في العلم. قال سحنون سمعت ابن القاسم يقول ما قرأت الموطأ قط إلا ازددت فيه علما ومعرفة، وهو أول ما سبق من العلم إلى أهل إفريقية، وكانوا يقرؤونه ولا يعرفون معناه، فكان بعض من كان بها من العلماء، إذا قرأه، ولم يفهم ما فيه، من الفقه والضوابط التي فيه من أصول العلم، يقول: ما أدري ماذا فيه من العلم، حتى قدم علي بن زياد من تونس إلى القيروان، فرووه عنه، وسألوه عن معانيه، فأخذ يشرح لهم معانيه، ويفسر لهم وجوهه، حتى استبان لهم ذلك الذي فيه".
هكذا كان ابن بشير ينظر إلى هذا الكتاب القيم، وقد خصصته مع المدونة بهذه الكلمة، لما يتمتعان به من مكانة متميزة في الفقه الإسلامي. أما باقي المصادر فإني سأكتفي بالإلماع إليها، إذ المقام لا يسمح بغير ذلك.