للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بآرائه، مسلحاً في ذلك بما يمتلكه من قواعد النقد والترجيح والاجتهاد.

أرى أن نتحدث بعد هذا عن قيمة الكتاب العلمية، ومكانته بين الكتب الفقهية، وأسارع إلى القول بأن هذا الكتاب يعد من أهم كتب فقه المالكية وأنفسها، وأجودها، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: لم يؤلف الكتاب لمجرد التأليف أو رغبة في التأليف فحسب. وإنما جاء تلبية لمقصد وهدف حدده ابن بشير في مقدمة الكتاب. كما أنه ملأ فراغاً حاصلاً في الفقه المالكي. إذ لم يألف قبله- فيما أعلم- كتاب سلك فيه صاحبه مسلك الاختصار المبني على قواعد الأصول.

ثانياً: جمع فيه مؤلفه مسائل الفقه المشتتة في كتاب واحد، متوسط الحجم، وضمنه ما تحتويه الدواوين الطويلة من العلم. ولكن بعد تلخيصها وتنقيح فصولها وحذف حشوها وفضولها. مع الإيجاز في العبارة والأسلوب الواضح، الذي لا يحتاج إلى شرح أو تبيين.

ثالثاً: تضمن الكتاب نكتا عجيبة، وفوائد غريبة يتشوف لمعرفتها كبار العلماء وحذاقهم. فضلاً عن عامتهم، وأشير هنا إلى ما ذكره إبراهيم ابن هلال السجلماسي (ت): ٩٠٣هـ عن القرافي في بحثه عن الفرق بين الشهادة والرواية حيث قال: "فقول القرافي: أقمت أطلب الفرق بين الشهادة والرواية نحو ثماني سنين. فلم أظفر به، وأسأل الفضلاء عنه. قال ولم أزل شديد القلق والتشوق إلى معرفته حتى طالعت شرح البرهان للمازري رضي الله عنه، فوجدته حققه وميزه ... إلى آخر كلامه؛ قصور إذ الفرق موجود في تنبيه ابن بشير، وتبصرة ابن محرز. وهما بين يدي صغار الطلبة ..... " (١).

الذي يعنينا من هذا النص هو: أن الإمام القرافي مكث يبحث عن الفرق بين الشهادة والرواية، ثماني سنين مع شدة القلق والتشوف إلى ذلك، وسؤال الفضلاء. وهذه النفيسة التي يبحث عنها الإمام القرافي، هذا البحث


(١) نوازل ابن هلال ٣/ ٧٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>