للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تعلق بهذا الحديث كل واحد من الفريقين وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - حرم البيع أولاً ثم سئل عن الاستعمال فقال: لا. فيحتمل أن يريد بذلك تحريم الاستعمال وهو أقرب المذكورات، ويحتمل أن يريد تحريم البيع، وعنه جاوب بقوله: "لا" لأنه ذكر (١) فعل اليهود في إجمال الشحوم وبيعها وأكل ثمنها، فما ابتدأ به الحديث وختمه يقتضي تحريم البيع خاصة، وقوله "لا" لما سئل عن الاستعمال يقتضي تحريم الاستعمال وتحريم البيع. فإذا أجزنا الاستعمال فهل نجيزه للمكلفين كالاستصباح بالزيت [النجس] (٢) وما في معنى ذلك؟ أو إنما نجيزه لغير المكلفين كإطعام الطعام النجس للدواب؟ في ذلك قولان. وفي كتاب مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بما عجن من الخبز من ماء آبار (٣) ثمود أن يعلف به الإبل (٤). وهذا يحتج به من يقول إن الاستعمال إنما يجوز لغير المكلفين.

ويعتذر الآخرون عن هذا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر بذلك عقوبة، لأنه نهى عن الاستقاء (٥) من تلك الآبار ولم يكن ذلك لنجاستها.

وفي تمكين اليهود والنصارى من ذلك قولان: أحدهما: جوازه، والثاني: منعه. وهذا على الخلاف هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟

...


(١) في (ص) لأن المذكور.
(٢) ساقط من (ر).
(٣) هكذا في (ص) وفي (ر) أمر بما عجن من آبار.
(٤) أخرج البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٣٧٩) واللفظ له، ومسلم في الزهد (٢٩٨١) عَنْ نَافِع أَنَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أخبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوِا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنوا بهِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَن يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ.
(٥) في (ق) و (م) الاستعمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>