للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيكون قوله تعالى: ﴿عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ مصروفا إلى الحاضر على هذا الوجه، وإلى المسافر على هذا الوجه، فيحتمل الظاهر على حقيقته مع تعظيم حرمة المسجد.

فإن قيل: قوله: ﴿عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ مضاف إلى منكر، فأي سبيل كان جاز، مسافرا أو غير مسافر.

قيل: لا فرق بين أن يضاف إلى منكر أو معرف، وهذا بمنزلة قولنا: "ابن سبيل" منكرا لا يعقل منه إلا المسافر، كقوله "ابن السبيل"، فصار تقدير قوله: ﴿عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ أي ابن سفر ما، وابن السبيل ابن السفر (١).

على أننا قد ذكرنا أننا نستعمله على الحاضر أيضا إذا عدم الماء وتيمم جاز له دخول المسجد وهو جنب؛ لأن التيمم لا يرفع الجنابة (٢).

وأشد ما في الباب أنه إذا احتمل ما تقولون وما نقول قضينا عليه بالخاص الذي لا يحتمل، وهو قوله : "فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" (٣)، ومعناه: لا أحل فيه فعل حائض ولا جنب على كل حال، من دخول، واجتياز، واستدامة، وصلاة، وقراءة قرآن، وغير ذلك؛ لأنه لم يرد أن عين المسجد ونفسه محرمة؛ لأن ذلك لا يقع عليه تحليل ولا تحريم، وإنما الحلال والحرام فعلنا فيه، بمنزلة قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (٤)، و ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ (٥)، وإنما المحرم فعلنا فيه الذي هو تزوجهن،


(١) انظر أحكام القرآن لابن العربي (١/ ٥٥٧).
(٢) كما سيأتي بيانه قريبا في مسائل التيمم.
(٣) تقدم تخريجه (٣/ ٢٠٦).
(٤) سورة المائدة، الآية (٣).
(٥) سورة النساء، الآية (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>