قدمت فيما مضى الحالة العلمية التي كانت في حياة المصنف ﵀، وأن التقليد لأئمة المذاهب بدأ في عصره يضرب بأطنابه، ويبرز قرونه، وصارت أقوال الأئمة كأنها نصوص عند كثير من الفقهاء، ولم ينج من ذلك إلا القليل منهم من هذه المزلة، ويبدو لي أن الإمام ابن القصار كان من هؤلاء الناجين إلى حد كبير، فهو وإن كان مالكي المذهب، تربى على أيدي علمائه ورواده، إلا أنه كان متحرر الفكر إلى حد ما، يقظ القلب، ينظر إلى الأمور ببصيرة وفهم، ويورد الدليل من الكتاب والسنة والإجماع وغير ذلك مما تقدم، لم يكن يحفظ ما يملى عليه من غير فهم ولا تدبر، ولا تأن ولا تمعن في مآخذ الأحكام، ودلائلها وعللها، وقد انعكس هذا على شخصيته العلمية، فلم يكن يتقيد بالمذهب تقيدًا تامًّا لا يخرج عنه، بل كان يرجح ما يظهر له رجحانه من أقوال أئمة المذهب، بل ويختار أحيانا ما يقوله غير أئمة المذهب، وإليك نبذًا من كلامه واختياراته في ذلك على وجه الاختصار:
* ولي طريقة أعتمد أنا عليها (٢/ ٢٧).
* والذي أقول أنا: وهذا يتخرج على قول أبي الفرج: إن الاستنجاء وإزالة الأنجاس فرض (٢/ ٢٦٦).
* وقال في مسألة عدم جواز الاستنجاء بالعظم والروث:"وهذا الذي نختاره"(٢/ ٢٩٠).