قال: وأيضا فإن هذا بقية مني قد اغتسل منه، وإنما منع من خروجها مرض وعلة، لولا ذلك لخرج في جملة المني الذي قد اغتسل منه، وقد قامت الدلالة على أن ما خرج من السبيل على وجه المرض فليس بحدث ينقض الوضوء، ولولا هذا لوجب فيه الغسل كأصله (١).
والذي عندي أن الوضوء منه واجب على ظاهر قول مالك، وهذا الذي كان الشيخ أبو بكر ﵀ يختاره، وأصول مالك تدل عليه، وقد بينته في مسألة الأحداث إذا خرجت عن وجه العادة واتصلت وتتابعت، والفرق بينها وبين ظهورها المرة بعد المرة فعليه الوضوء إلا أن يستنكحه ذلك فإن الوضوء فيه مستحب وذلك أن هذا قد يكون غالبا في الناس، وهو أن يبقى في القضيب من المني الذي تقارنه اللذة بقية تظهر عند البول، وبعد ساعة، وذلك كالمعتاد أيضا، فينبغي أن يكون فيه الوضوء واجبا؛ لأن الغسل قد تقدم في الدافق منه، وقد قارنته اللذة، فمضى حكم الغسل له، وصار كدم الاستحاضة الذي أصله قد اغتسل منه، وهو يجيء مرة بعد مرة، وقد قال مالك: فيه الوضوء، كمن اعتراه المذي المرة بعد المرة.
ولا يمتنع أن يجب فيه الوضوء؛ لأنه مائع قد خرج من السبيل على وجه العادة وإن لم تقارنه اللذة، وصار في حكم دم الاستحاضة على ما بيناه، فإذا سقط فيه حكم الطهارة العليا لم يمتنع أن تجب فيه الطهارة الصغرى؛ لأنه من ذلك الجنس، خرج عن أصله إلى عادة فيه، ولا مشقة في الوضوء منه، فإن اتصل وتتابع تحققنا أنه لمرض لخروجه عن عادة الناس فيه، مع شدة الكلفة في الوضوء منه، وليس إذا لم يكن معتادا لجميع الناس يخرج
(١) انظر الإشراف (١/ ١٢٣) الذخيرة (١/ ٢٩٧) وانظر مذاهب العلماء في المسألة المشار إليها.