للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيضا فإن أنيسا أخا أبي ذر الغفاري وكان أحد الفصحاء البلغاء - قال: "عرضت كلام الله تعالى ووضعته على السجع، والشعر، والنظم، والنثر، فلم يوافق من طرق العرب" (١).

فلم يكن القوم يتدافعون إعجازه في نظمه وتأليفه، ثم مع هذا فإننا وجدنا الصحابة لما اختلفوا في ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ و ﴿التَّابُوتُ﴾ هل يكتبان بالهاء أو بالتاء؛ فردوا كتابتهما إلى ما عليه لغة قريش؛ لأن القرآن نزل بلغتهم (٢).

فإذا كانت الصحابة سلمت هذا الحرف حتى لم يكتبوه بلغة غير لغة قريش؛ فلو جازت ترجمة القرآن بالفارسية؛ لم يتشددوا هذا التشديد، ويمنعوا من كتاب حرف على غير لغتهم.

وأيضا فإن المأخوذ علينا من القرآن لا يخلو من أحد معان: إما أن يكون لفظه دون معناه، أو معناه دون لفظه، أو هما، فيبطل أن يكون المراد منه لفظه دون معناه بالاتفاق؛ لأنه لو كتبنا معنى من المعاني غير معانيه لفظا من ألفاظ القرآن؛ لم يجزئه.

ويبطل أن يكون المراد منه معناه دون لفظه؛ لأنه لو أتى بدل ﴿لَا رَيْبَ


(١) أخرجه مسلم (٢٤٧٤/ ١٣٣) بنحوه، ولفظه: "ورأيته - أي النبي يأمر بمكارم الأخلاق، كلاما ليس بالشعر .. ". وفي رواية له: لقد سمعت قول الكهنة فما هو قولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر - أي طرقه - فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون. وانظر أيضا الإصابة (١/ ٢٧٠ - ٢٧١).
(٢) وقد قال عثمان في قصة جمع القرآن للرهط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا". أخرجه البخاري (٤٩٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>