للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به، قالوا له: مه، فتفرق الناس إلى منازلهم" (١).

قالوا: وهذا لا محالة صفة الصلح وعقد الأمان.

قيل: هذا كله يدل على أنه دخلها عنوة؛ لأنكم لم تنقلوا أنه عقد أمانا لجماعة على وجه الصلح والتراضي منهم، فأما أن يمن عليهم مَنّا من جهته بغير تراض ومعاقدة؛ فهذا قولنا: إنه دخلها عنوة، ومنّ عليهم على شرط أن يضعوا السلاح، وأن يغلقوا أبوابهم أو يدخلوا المسجد.

وقول العباس : "إن رسول الله إن دخل مكة على هذا هلكت قريش" (٢)؛ من أدل دليل على قوتهم وظهورهم، وعلو كلمتهم، فلا حاجة إلى الصلح.

فإن قيل: فلا حاجة به إلى أن يمن عليهم ويؤمنهم؛ لأنه قد (٨٩) ملكهم، وعلا عليهم، وقهرهم، فلما جاز لكم أن تقولوا: إنه منّ عليهم؛ جاز لنا أن نقول: إنه صالحهم، وإن كان قاهرًا ظاهرًا مستعلنًا.

قيل: ليس منزلة المن عليهم بعد القهر والغلبة وعلو الكلمة بمنزلة صلحهم؛ لأن الصلح إنما يقع بمراضاة وشروط يختارونها إن لم تتم كانوا على ما كانوا عليه من المقاومة والمكافأة، ولا إذلال عليهم في ذلك، وليس كذلك إذا ملكهم وقهرهم، وملك أن يجري عليهم جميع أحكامه، ثم يتفضل عليهم بالمن والعفو بعد المقدرة والتمكن منهم، وتفرقهم إلى منازلهم فإنما كان خوف القتل لما قال لهم أبو سفيان: إنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به،


(١) تقدم تخريجه (٥/ ١٥٠).
(٢) هو الحديث قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>