للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما تدوم على حال تكون بها ... إلّا كما تلوّن في أثوابها الغول (١)

وتزعم العرب أنه إذا انفرد رجل في الصحراء ظهرت له في خلقة إنسان، ولا يزال يتبعها حتى يضلّ الطريق، فتدنو منه، وتتمثل في صور مختلفة فتهلكه روعا. وإذا أرادت أن تضلّ الناس أوقدت نارا فيبصرها الساري فيقصدها، فتفعل ذلك وتروّعه، فإن كان الذي يأتيها شجاعا مقداما تحامل وتبعها، فإذا رأت ذلك لم تضرّه، وجلس يصطلي بنارها وهي معه. وقال تأبّط شرا: [المتقارب]

وأدهم قد جبت جلبابه ... كما اجتابت الكاعب الخيعلا (٢)

إلى ضوء نار تنوّرتها ... فبتّ لها مدبرا مقبلا

فأمسيت والغول لي جارة ... فيا جارنا أنت ما أهولا

فمن يك عن جارتي سائلا ... فإنّ لها باللّوى منزلا

قال أبو عمرو رحمه الله بات تأبّط شرّا ليلة ذات ظلمة ورعد وبرق بواد يقال له:

رحى بطان، فلقيه الغول- وهو سبع من سباع الجنّ- فما زال يقاتلها حتى قتلها، فقال:

[الوافر]

ألا من مبلغ فتيان فهم ... بما لاقيت عند رحى بطان

فإنّي قد رأيت الغول تهوي ... بسهب كالصّحيفة صحصحان

فشدّت شدّة نحوي فأهوى ... لها كفّي بمصقول يماني

لها عينان في رأس قبيح ... كرأس الهرّ مشقوق اللسان

وساقا مخدج وشواة كلب ... وثوب من عباء أو شنان

قالوا: وخلفتها خلقة إنسان ورجلاها رجلا حمار، فإذا صاح بها الرّجل: رجلي حمار! نهقت نهيقا لا تخطئ السّبسب والطريق، وفرّت منه.

وانظر في التاسعة والأربعين ذكر القطرب وفيه شيء مستظرف.

قوله: فتّاحا، أي حاكما. وافتح بيننا، أي احكم بيننا، والفتّاح: الناصر، والفتح:

النصر. والحاكم بنصر المظلوم. أسيت: حزنت صدئ ذهني، أي تغطى بالغفلة، من الصّدأ، وهو ما يعلوه من الدّرن. وصديت، غير مهموز أصدى صدى، وأراد مذ افتقرت


(١) البيت في ديوان كعب بن زهير ص ٨، والمخصص ١٧/ ٥، والمذكر والمؤنث للأنباري ص ٤١١، وهو بلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٩٦١، ٩٨٨.
(٢) يروى صدر البيت الأول:
وأدهم قد جبت ظلماءه
وهو لحاجز السروي في لسان العرب (فعل).

<<  <  ج: ص:  >  >>