يا أيّها القاضي الّذي علمه ... وحلمه أرسخ من رضوى
قد ادّعى هذا على جهله ... أن ليس في الدّنيا أخو جدوى
وما درى أنّك من معشر ... عطاؤهم كالمنّ والسّلوى
فجد بما يثنيه مستخزيا ... ممّا افترى من كذب الدّعوى
وأنثني جذلان أثني بما ... أوليت من جدوى ومن عدوى
***
والحريق: ما تحرقه النار من الحشيش والعيدان، وناره ضعيفة لا تدوم. السمك:
كبش الماء، فلا يستوي إلّا على نار قوية فربّما شوى سمكته ما دام لهب النار موجودا، فإذا سكن اللهب لم يتمكن من شيّها لعدم الجمر في الحريق، فيريد أنّه حرّض القاضي بالشعر على الكرم، حين اهتزّ للكرام، وغضب من تبخيلهم فهزّه بهذا الشعر ليجود عليه قبل أن يسكن، فربّما يبدو له ألّا يجود. أرسخ: أثبت رضوى: جبل بالمدينة سهل مشتق من الرضوان، كأنّ الذي يصعده راض عنه لقلة المشقّة في صعوده. أخو جدوى:
صاحب عطية وكرم. المنّ والسلوى: طعام كان ينزل على بني إسرائيل، وقيل: المنّ الترنجبين والسلوى. السماني، وهو طائر. يثنيه: يردّه. مستخزيا: صاغرا خاضعا.
ويروى «مستخديا»، والخدية: الاستحياء، أو يكون بمعنى مهانا، والخزي: الهوان افترى: كذب واستبعد أنثني جذلان: أرجع فرحا. أوليت: أعطيت. حدوى: إعانة، أي أرجع بالجدوى، وبإعانتك لي عليه حتى يتوب من عقوقه.
***
قال: فهشّ القاضي لقوله، وأجزل له من طوله، ثمّ لفت وجهه إلى الغلام، وقد نصل له أسهم الملام، وقال له: أرأيت بطل زعمك، وخطأ وهمك! فلا تعجل بعدها بذمّ، ولا تنحت عودا قبل عجم، وإيّاك وتأبّيك، عن مطاوعة أبيك، فإنّك إن عدت تعقه، حاق بك منّي ما تستحقّه، فسقط الفتى في يده، ولاذ بحقو والده، ثم نهض يحفد، وتبعه الشّيخ ينشد: [السريع]
من ضامه أو ضاره دهره ... فليقصد القاضي في صعده
سماحه أزرى بمن قبله ... وعدله أتعب من بعده
***
هشّ: فرح. أجزل: أكثر. طوله: إفضاله وهباته. ولفت: ردّ نصل: جعل له نصالا، وأنصلها: نزع نصالها، والنّصل: حديدة السهم. بطل زعمك، أي بطلان قولك.
وهمك: ظنك. تنحت: تنجر. عجم: اختبار، أي حتى تعلم: هل هو قويّ أو ضعيف،