للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: لا تعتب أحدا حتى تجرّبه. قوله: وإياك وتأبّيك عن مطاوعة أبيك، أي احذر أن تمتنع عن مطاوعة والدك، فإنك ومالك لأبيك.

جابر رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال له: «اذهب، فائتني به»، فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الشيخ عن شيء في نفسه، قاله في شأن ابنه. فلمّا جاء الشيخ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بال ابنك يشكوك؟ أتريد أن تأخذ ماله»! فقال: سله يا رسول الله، هل أنفقته إلا على نفسي أو على إحدى عماته أو خالاته! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «دعني من هذا، أخبرني عن شيء قلته في نفسك، ما سمعته أذناك»، فقال: يا رسول الله، ما زال الله يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا، ما سمعته أذناي، وأنشد يقول: [الطويل]

غذوتك مولودا وعلتك يافعا ... تعلّ بما أجني عليك وتنهل (١)

إذا ليلة ضاقتك بالسّقم لم أبت ... لسقمك إلّا ساهرا أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالّذي ... طرقت به دوني فعيناي تهمل

تخاف الرّدى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت وقت مؤجّل

فلما بلغت السنّ والغاية التي ... إليها مدى ما كنت فيك أؤمّل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة ... كأنك أنت المنعم المتفصّل

فليتك إذ لم ترع حق أبوّتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل

قال: فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه، وقال: «أنت ومالك لأبيك» (٢).

قوله: حاق، أي نزل، تقول: حاق به المكروه والشؤم يحيق حيقا، نزلا به.

ابن عرفة: وجبا عليه وألزماه، قال الأزهري رحمه الله: الحيق ما يحيط بالإنسان من سوء عمله ومكروه فعله، وقوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: ٤٣]، أي لا ترجع عاقبة مكرهم إلا عليهم. سقط في يده، يقال ذلك للنادم المتحيّر، ويقال: سقط في يده وأسقط في يده، إذا ندم على فعله، وتحسّر عليه، واليد هنا: الندم، وقوله: سقط الفتى في يده، قال جماعة من أهل اللغة: صوابه: سقط في يده من غير تسمية الفاعل، لأن الفعل مسند إلى المجرور. وقال الأزهري رحمه الله: إنما حسّن سقط في يده بضم السين، غير مسمّى فاعله الصلة، وهي في يده، ومثله قول امرئ القيس: [الكامل]

* دع عنك نهبا صيح في حجراته (٣) *


(١) الأبيات لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص ٤٥، والبيت الأول في تاج العروس (عول).
(٢) أخرجه ابن ماجة في التجارات باب ٦٤، وأحمد في المسند ٢/ ١٧٩، ٢٠٤، ٢١٤.
(٣) عجزه:
ولكن حديثا ما حديث الرواحل

<<  <  ج: ص:  >  >>