وما ربح الرّياض لها ولكن ... كساها دفنهم في التّرب طيبا
ومن المدح قول السّريّ في أبي الحصين القاضي: [الوافر]
لقد أضحت خلال أبي حصين ... حصونا في الملمّات الصعاب
كساني ذيل نائله وآوى ... غرائب منطقي بعد اغترب
فكنت كروضة سقيت سحابا ... فأثنت بالنّسيم على السّحاب
وقال بديع الزمان وشاعر الأوان: [البسيط]
يا سيّد الأمرا فخرا فما ملك ... إلّا تمنّاك مولى واشتهاك أبا
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيّا يمطر الذّهبا
والدّهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... واللّيث لو لم يصد والبحر لو عذبا
هذه الجملة كافية وكأنها تفسير ما أجمل من ذكر ممدوحه.
***
ثمّ إنّي شيخ ترب بعد الاتراب، وعدم الإعشاب، حين شاب قصدتك من محلّة نازحة؛ وحالة رازحة، آمل من بحرك دفعة، ومن جاهك رفعة. والتأميل أفضل وسائل السائل، ونائل النائل؛ فأوجب لي ما يجب عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك. وإيّاك أن تلوي عذارك، عمّن ازدارك، وأمّ دارك، أو تقبض راحك؛ عمّن امتاحك، وامتار سماحك؛ فو الله ما مجد من جمد، ولا رشد من حشد؛ بل اللبيب من إذا وجد جاد، وإن بدأ بعائدة عاد؛ والكريم من إذا استوهب الذّهب، لم يهب أن يهب.
ثمّ أمسك يرقب أكل غرسه، ويرصد مطيبة نفسه وأحب الوالي أن يعلم: هل أطفته ثمد، أم لقريحته مدد! فأطرق يروّي في استيراء زنده، واستشفاف فرنده، والتبس على أبي زيد سرّ صمتته، وإرجاء صلته، فتوغّر غضبا، وأنشد مقتضبا.
***
قوله: ترب، افتقر فلم يبق له ما يقعد عليه غير التراب. والاتراب: الاستغناء، وأترب: صار له من المال بكثرة التراب. والإعشاب: إصابة العشب، وأراد به المال.
محلّة: منزل يحلّ فيه.
نازحة: بعيدة. رازحة: كالّة من الهزال، ورزح رزحا: كلّ من العمل.
ابن الأنباري: رزح فلان: ضعف، وذهب ما في يده، وأصله من رزحت إبل فلان