للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلانا لا يملك فتيلا ولا يهتدي فيها سبيلا؛ فأقبلنا نجوس خلالها، ونتفيّأ ظلالها، حتّى أفضينا إلى قصر مشيد، له باب من حديد، ودونه زمرة من عبيد. فناسمناهم لنتّخذهم سلما إلى الارتقاء، وأرشية للاستقاء؛ فألفينا كلّا منهم كئيبا حسيرا؛ حتّى خلناه كسيرا أو أسيرا. فقلنا: أيّتها الغلمة، ما هذه الغمّة؟ قلم يجيبوا النّداء، ولا فاهوا ببيضاء ولا سوداء، فلمّا رأينا نارهم نار الحباحب، وخبرهم كسراب السّباسب، قلنا: شاهت الوجوه، وقح اللّكع ومن يرجوه فابتدر خادم قد علته كبرة، وعرته عبرة، وقال: يا قوم، لا توسعونا سبّا، ولا توجعونا عتبا؛ فإنا لفي حزن شامل وشغل عن الحديث شاغل، فقال له أبو زيد: نفّس خناق البثّ، وانفثّ إن قدرت على النّفث، فإنك ستجد منّي عرّافا كافيا، ووصّافا شافيا.

***

نهدنا: تقدّمنا المريرة: قوّ النفس. نركض، بفتح أوّلها، وأصل الرّكض، تحريك القوائم، ومنه ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: ٤٢]، ولهذا قيل للجنين إذا اضطرب في بطن أمه: قد ارتكض، ومن مشكل أبيات المعاني: [الرجز]

قد سبق الحلبة وهو راكض ... فكيف لا يسبق وهو رابض (١)

المراد: أنّ أمه سبقت الجياد وهي حامل به، فأضاف السّبق إليه لاتصاله بها، وأراد براكض تحريكه قوائمه في مقرّه، والرّكض يستعمل في الخيل وغيرها فيقال: ركض البعير برجله، والطائر بجناحه.

قوله: امتراء، أي استخراج. الميرة: جلب الرزق، ومار الرجل على أهله ميرا:

جلب لهم القوت.

نجوس خلالها؛ نطوف في طرقها، قال الليث وابن سيده: الجوس والجوسان:

التردّد في خلال الدّور والبيوت، وقال الأصمعيّ والأزهريّ وأبو عبيدة: جاسوا الموضع:

وطئوه، وفلان يجوس بني فلان، أي يطؤهم يطلب فيهم وقال الطّبري والنّقّاش والزّجاج والثعالبي: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الإسراء: ٥]، أي طافوا بين بيوتهم، يقتلونهم ويطلبونهم، ذاهبين وجائين. والخلل: الفرجة بين الشيئين، والجمع خلال. تتفيّأ:

نستظلّ، وتفيّأ به: استظلّ به، وتفيّأ: تقلّب أفضينا: وصلنا. مشيد: مرتفع البناء،


(١) يروى الرجز:
قد سبق الجياد وهو رابض ... فكيف لا يسبق وهو راكض
وهو بلا نسبة في تاج العروس (ركض)، وجمهرة اللغة ص ٧٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>