للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار

فقال: قد قلت له فأبى عليّ- وأومأ إلي إسحاق بن بزيع- قلت: الصواب مع أمير المؤمنين، ثم قال: يا مفضل، حدّثني فحدّثته حتى انتصف النهار، قال: أنشدني، فأنشدته قول الحسين بن مطير الأسديّ: [الطويل]

وقد تغدر الدنيا فيضحى غنيّها ... فقيرا ويثرى بعد بؤس فقيرها (١)

وكم قد رأينا من تغيّر عيشة ... وأخرى صفا بعد كد غديرها

فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها

وكان المهدي رقيقا فبكى، وقال: يا مفضّل، كيف حالك؟ فقلت: كيف يكون حال من عليه عشرة آلاف درهم، وليس معه منها درهم واحد، قال: ياإسحاق، أعطه عشرة آلاف درهم قضاء لدينه، وعشرة آلاف درهم يستعين بها على حاله، وعشرة آلاف درهم يصلح بها من شأنه.

ورأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الخنساء، تطوف بالبيت محلوقة الرأس، تبكي وتلطم خدها، وقد علّقت نعل صخر في خمارها، فوعظها فقالت: إني رزئت فارسا لم يرزأ أحد مثله، فقال: إن في الناس من هو أعظم مرزأة منك، وإنّ الإسلام قد غطّى ما كان قبله، وإنه لا يحلّ لك لطم وجهك ولا كشف رأسك، فكفّت عن ذلك وقالت: [الوافر]

هريقي من دموعك واستفيقي ... وصبرا إن أطقت ولن تطيقي (٢)

وقولي إنّ خير بني سليم ... وأكرمهم بصحراء العقيق

ألا هل ترجعنّ لنا الليالي ... وأيام لنا بلوى الشّقيق

وإذ فينا معاوية بن عمرو ... على أدماء كالجمل الفنيق

فنبكيه فقد أودى حميدا ... أمين الرأي محمود الصّديق

فلا والله لا تسلوك نفسي ... لفاحشة أتيت ولا عقوق

ولكنّي رأيت الصبر خيرا ... من النّعلين والرأس الحليق

وأما أبو العباس المبرّد فقال: وقالت الخنساء ترثي أخاها معاوية بن عمرو، وكان أخاها لأبيها وأمها، [وكان صخر أخاها لأبيها] وكان أحبّهما إليها.


(١) يروى البيت الثاني:
وكائن ترى من حال دنيا تغيّرت ... وحال صفا بعد اكدرار غديرها
وهو لابن المطير الأسدي في لسان العرب (كدر)، وتاج العروس (كدر).
(٢) الأبيات في ديوان الخنساء ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>