وأنشدها المهدي: فقال: لقد أقلت من بلاء عظيم، فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد مكثت شهرا أتوقع صاحبها أن يردّها، فقال المهديّ لصاحب دوابه: خيّره بين مركبين في الإصطبل، فقال: إن كان الاختيار إليّ فقد وقعت في شرّ من البغلة، ولكن مره يختر لي، ففعل.
وفي القصيدة ألفاظ من الغريب أبينها، فمنها يقال: واكلت الدابة وكالا: أساءت السير. ورمحت ترمح: ضربت برجليها والمشش: داء في قوائمها. والجرد استرخاء العصب، والعقّال: أن تنقبض القوائم ولا تنبعث، والخراط: الجماح، والعرن: حكة وشقاق في القوائم، وقد عرن عرنا، وقمص يقمص ويقمص قمصا وقماصا: رفع يديه معا وطرحهما معا، وعجن بيديه، وقطا يقطو: قارب الخطو.
وكان لأبي دلامة برذون أعجف محطم هرم، فدخل على المهدي يوما وبين يديه سلمة الوصيف، فقال: يا أمير المؤمنين، إني جلبت لبابك مهرا ليس لأحد مثله، وأحببت أن أهديه لك، فإن أحببت أن تشرّفني بقبوله! فأمر بإدخاله، فخرج وأدخل برذونه، فقال له المهدي: أيّ شيء هذا ويلك! ألم تزعم أنه مهر، فقال له أبو دلامة: أوليس هذا سلمة الوصيف قائم بين يديك تسميه الوصيف وله ثمانون سنة! فإن كان سلمة وصيفا فهذا مهر، فجعل المهديّ يضحك وسلمة يشتمه، فقال له المهديّ: ويلك! إن لهذه أخوات، والله ليضحكنّ بك في المحافل، فقال: والله يا أمير المؤمنين لأفضحنه، فليس في مواليك أحد إلا وقد وصلني غيره، فما شربت الماء له قطّ فحكم عليه المهديّ أن يشتري نفسه بثلاثة آلاف درهم، فقال له سلمة، على ألا تعاود، فقال أبو دلامة:
أفعل، فحملها إليه.
ومما ينتظم بهذا النّمط أن محمد بن عبيد الله بن خاقان حمل أبا العيناء على فرس، فكتب إلى أبيه: أعلم الأمير أعزه الله أن أبا محمد أراد أن يبرّني فعقّني، وأن يركبني فأرجلني، وأمر لي بدابة تقف للنّبرة، وتعثر بالبعرة، كالقضيب اليابس عجفاء، وكالمهجور البائس دنفاء، قد أذكر الرواة عروة العذريّ والمجنون العامريّ، مباعدا أعلاه لأسفله، حباقه مقرون بسعاله، فلو أمسك لترجّيت، ولو أفرد لتعزيت، ولكنه يجمعها في الطريق المعمور، والمجلس المشهور، كأنه خطيب مرشد، أو شاعر منشد، يضحك من فعله النّسوان، ويتناعى من أجله الصبيان، فمن صائح يصيح: داوه بالطباشير، ومن قائل