يقول: نقّ له الشعير، قد حفظ الأخبار وروى الأشعار، ولحق العلماء في الأمصار، فلو أعين بنطق لروى بحق وصدق، عن جابر الجعفيّ وعامر الشعبي، ولم أوت من أمر الأمير أعزه الله وإنما أتيت من كاتبه الأعور؛ الذي إذا اختار لنفسه أصاب وأكثر، وإذا اختار لغيره أخبث وأنزر، فإن رأى الأمير أن يبدلني ويريحني بمركوب يضحكني كما أضحك منّي، يمحو بحسنه وفراهته، ما سطّره العيب بقبحه ودناءته، ولست أذكر سرجه ولجامه، لأن الأمير أكرم من أن يسلب ما يهديه، وينقص ما يمضيه. فوجّه إليه ببرذون بسرجه ولجامه، ثم اجتمع بابنه محمد عنده، فقال له عبيد الله: شكوت دابة محمد، وقد أخبرني أنه يشتريه الآن منك بمائة دينار، وهذا ثمنه لا يؤخّر عنك، فقال: أعز الله الوزير! لو لم أكذب مستزيدا، لم أذهب مستفيدا، وإني وإياه لكما قالت امرأة العزيز:
أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: ٥١].
وقال ابن رشيق في بغل: [الرجز]
أوصيك بالبغل شرّا ... فإنه ابن الحمار
لا يصلح البغل إلا ... للكدّ والأسفار
كالعبد إن لم تهنه ... جنى على الأحرار
ما اعتاض بغلا بطرف ... إلّا أخو إدبار
وله أيضا فيه: [الطويل]
فأوصيكمو بالبغل شرّا فإنّه ... من العير في سوء الطّباع قريب
وكيف يجيء البغل يوما بحاجة ... تسرّ وفيه للحمار نصيب!
وله من قصيدة: [الكامل]
أو بغلة سفواء تعرض للفتى ... فتخال تحت السّرج أمّ غزال
سألت إلى الأم النجابة من أب ... وزهت على الأعمام والأخوال
وكأنها قد أفرغت في قالب ... لا أنها خلقت على تمثال
وله من قصيدة أيضا: [المتقارب]
كأنّي بعض نجوم السّماء ... تصعّد في الجوّ ثم انحدر
على رسلة من هبات الملو ... ك سفواء ملمومة كالحجر
تعاون في جدل أعضائها ... بنو أخدر وبنات الأغر
ولمحمد بن يسير الخارجيّ في بغلة: [الكامل]
نزعت عن الخيل العتاق نجاءها ... منها وعتق سوالف ولبان
ولها من الأعيار عند مسيرها ... قحة وطول صبارة ومران