فضحك المهديّ حتى كاد يسقط.
ومن ملحه، أنه دخل على المهديّ، وعنده وجوه بني هاشم، فقال: أنا أعطى الله عهدا لئن لم تهج واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك، فنظر إلى القوم، فكلمّا نظر إلى واحد غمزه بأن عليه رضاه، قال: فعلمت أني وقعت، وأنها عزمة من عزماته لا بدّ منها، فلم أر أدعى إلى السّلامة من هجاء نفسي، فقلت: [الوافر]
ألا أبلغ لديك أبا دلامه ... فليس من الكرام ولا كرامه
إذا لبس العمامة كان قردا ... وخنزيرا يكون بلا عمامه
جمعت دمامة وجمعت لؤما ... كذاك اللؤم تتبعه الدّمامه
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا ... فلا تفرح فقد دنت القيامه
فضحكوا، ولم يبق أحد إلّا أجازه.
وخرجت له صبيّة فأخذها على كتفه، فبالت عليه فرمى بها، وقال: [الوافر]
بللت عليّ- لا حيّيت- ثوبي ... فبال عليك شيطان رجيم
فما ولدتك مريم أمّ عيسى ... ولا ربّاك لقمان الحكيم
ولكن قد تضمّك أم سوء ... إلى لبّاتها وأب لئيم
ولمّا خرجت الخيزران إلى الحج تلقّاها، فصاح: الله الله في أمري! فسألته عن أمره فقال: إني شيخ كبير، وأجرك فيّ عظيم، تهبين لي جارية تؤنسني وترفق بي، وتريحني من عجوز عندي، قد أكلت رفدي، وأطالت كدّي، وقد عزف جلدها جلدي، وتمنّيت بعدها، وتشوقت فقدها، فوعدته بها، فلمّا جاءت من الحجّ دخل على أم عبيدة حاضنة موسى وهارون، فدفع إليها رقعة، فدفعتها إلى الخيزران وفيها: [مجزوء الرمل]
أبلغي سيّدتي إن ... شئت يا أمّ عبيده
أنّها أرشدها الله ... وإن كانت رشيده
وعدتني قبل أن تخر ... ج للحجّ وليده
إنّني شيخ كبير ... ليس في بيتي قعيده
غير عجفاء عجوز ... ساقها مقل القديده
وجهها أقبح من حو ... ت طريّ في عصيده
ما حياتي- مع أنثى ... مثل عرسي- بحميده
فضحكت واستعادت «حوتا في عصيده» وهي تضحك، ثم قالت لجارية: خذي ما عندك في قصري وأمشي إليه. فلمّا بلغها الرسول منزله لم يجده، فدفعها إلى امرأته، ودخل دلامة وأمّة تبكي، فسألها فأخبرته وقالت: إن أردت بري يوما من الدّهر، فاليوم.