للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو جعدة: كنية الذئب، وهي كنية بالضدّ لأن جعدة عندهم الشّاة، ولما كان الذئب يقتلها حيث وجدها جعلوه أباها بضدّ ما يفعل الأب الذي لا يقال له أب إلا لوجود الرحمة عنده على بنيه، ونحوها قولهم للأسود: أبو البيضاء، والختل: المكر.

وأبو عقبة الخنزير، ومن حرصه أنه يمشي بالليل وبالأسحار لطلب ما يأكل، ويستتر بالنهار حرصا على السّلامة.

وأبو وثاب: الظّبي وكني بذلك لسرعة وثبه.

وأبو الحصين: الثعلب، وهو أكثر الحيوان مكرا، ومن بعض مكره أنّه إذا رأى الغلبة تماوت فلا تشكّ في أنه ميّت، فإذا وقع له غير عارف تركه فما يمرّ يسيرا حتى يقوم فارّا أو تحصينه يبصل العنصل من الذئب، لأن الذئب لا يطؤه في زعم قوم، وقالوا: إنّ الضبع صادت ثعلبا، فقالت: أخيّرك يا ثعلب بين خصلتين، فقال: ما هما؟ فقالت: إما أن آكلك وإما أن أكلمك، فقال لها الثعلب، أما تذكرين يوم نكحتك؟ فقالت: متى؟ فانفتح فوها وانفلت الثعلب، فذكروا ذلك مثلا، وقالوا: ضرب عليه خصلتي الثعلب، وقالوا: إن الثعلب اطّلع في بئر وهو عاطش وعليها رشاء في طرفيه دلوان، فقعد في الدلو العليا فانحدرت، فشرب، فجاء الضبع فاطلعت في البئر، فأبصرت القمر في الماء منتصفا والثعلب قاعد في قعر البئر فقالت له: ما تصنع هنا؟ فقال لها: إني أكلت نصف هذه الجبنة وبقي نصفها لك فانزلي فكليها، فقالت: وكيف أنزل؟ قال: تقعدين في الدلو فقعدت فيها، فانحدرت وارتفع الثعلب في الدلو الأخرى فلمّا التقيا في وسط البئر قالت له: ما هذا؟ قال: كذا التّجار، نختلف، فضربت بها العرب المثل في المختلفين، وأوصاف مكره كثيرة.

وأبو أيوب: الجمل سمّي بذلك لأنه أصبر الدوابّ على العطش والجوع وقطع الأشهر بالسير المتصل ونقل الأوقار، ومهما كان به شيء من قوّة تجلّد، فإذا وقف علم أنه ليس فيه بقية ينتفع بها.

وأبو غزوان الهرّ لغزوه الفئران وخشاش الأرض وتلطّفه يظهر في محاولاته لتصيد الفأر فإذا قدمت المائدة: قرب منها وأخذ يتلطف في صياحه ويتضرّع ويحتكّ بالمائدة أو بالأكل حتى يعطى.

وأبو براقش: طائر أغبر أوسطه أحمر، إذا انتفض تلوّن ألوانا. أخذ الحريريّ هذا الفصل من كلام العلماء، قالوا: ابن آدم هو العالم الكبير الذي جمع الله تعالى العالم كلّه فيه فكان فيه بسالة الأسد وصبر الجمل وحرص الخنزير وحذر الغراب وروغان الثعلب؛ وضرع السّنّور، وحكاية القرد وجبن الصقر.

قيل لرجل من كبار العلماء وكان بليدا سريع النّسيان في ابتداء تعلّمه: بم أدركت العلم مع بلادتك وكلل خاطرك؟ قال: ببكور كبكور الغراب وصبر كصبر الجمل وحرص كحرص الخنزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>