واخلب بصوغ اللّسان، واخدع بسحر البيان، وارتد السّوق قبل الجلب وامتر الضّرع قبل الحلب، وسائل الرّكبان قبل المنتجع، ودمّث لجنبك قبل المضطجع، واشحذ بصيرتك للعيافة، وأنعم نظرك للقيافة، فإنّ من صدق توسّمه، طال تبسّمه، ومن أخطأت فراسته أبطأت فريسته.
وكن يا بنيّ خفيف الكلّ، قليل الدّل، راغبا عن العلّ، قانعا من الوبل بالطّلّ.
وعظّم وقع الحقير؛ واشكر على النّقير، ولا تقنط عند الرّدّ. ولا تستبعد رشح الصّلد، ولا تيئس من روح الله، إنه لا ييئس من روح الله إلّا القومالكافرون.
وإذا خيّرت بين ذرّة منقودة، ودرّة موعودة، فمل إلى النّقد وفضّل اليوم على الغد، فإنّ للتأخير آفات وللعزائم بدوات، وللعدات معقّبات، وبينها وبين النّجاز عقبات وأيّ عقبات.
***
قوله: اخلب بصوغ اللسان، أي بعذوبة الكلام، قال ابن كناسة الشاعر: كنت أتكلم بكلام فلو لم يجد سامعه إلا القطن الذي في وجه أمه في القبر، لتغلغل إليه حتى يخرجه ويهديه إليّ. وأنا اليوم أتحدث بذلك الحديث بعينه فما أفرغ منه حتى أهيّئ له اعتذاري وارتد، أي اطلب. والجلب: ما يجلب إلى السوق للبيع، امتر: امسح، ويفعل ذلك بالضرع لأنه يدرّ لبنه. المنتجع: موضع العشب، أراد به موضع طلب الرزق، دمث: ليّن، اشحذ: اجل واصقل، وقال في الدّرة: ويقولون: شحّات بالتاء، وصوابه.
بالذال لأن اشتقاقه من شحذت السيف، إذا بالغت في إحداده فكأنّ الشحاذ هو الملحّ في المسألة المبالغ في طلب الصّدقة، بصيرتك: ذهنك، العيافة: زجر الطير، أنعم: بالغ، القيافة: الاستدلال على الولد، وذلك أن ينظر خلقته وصفته، فيشبّهه بأبيه. توسمه:
نظره، الفراسة: الحكم بحالات الشيء على ما يكون منه في المستقبل. الكلّ: الثقيل، والدّلّ والدّلال بمعنى واحد، العلّ: الشّرب بعد الشّرب وراغبا عنه: تاركا له: النقير:
حفرة في ظهر نوى التّمر، ومنها تنبت النخلة، تقنط: تيأس، روح الله: رزقه. ولبعضهم في هذا المعنى: [المتقارب]
سيفتح باب إذا سدّ باب ... نعم وتلين الأمور الصّعاب
ويتّسع الحال من بعد ما ... تضيق المذاهب فيه الرّحاب
مع العسر يسران هوّن عليك ... فلا اليسر دام ولا الاكتئاب
إذا احتجب الناس من سائل ... فما دون سائل ربّي حجاب
آخر: [الطويل]