للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافا لسيّئ الخلق الذي يقطّب وجهه عند اللقاء، واللئيم الذي إذا سئل انزوى وتقبّض.

يغضي: يسمح. آلاؤك: نعمك. أعداؤك تثني: يقول لكثرة المادحين لك والناشرين لفضلك، لم يمكن أعداؤك وحسّادك ذمّك لتكذيب الناس إياهم، فصاروا يثنون عليك مع من يثني؛ ويحكى أنّ أعرابيّا استضاف حاتما، فلم ينزله، فبات جائعا مقرورا، فلما كان في السّحر ركب راحلته، وانصرف، فتقدّمه حاتم، فلما خرج من بين البيوت لقيه متنكّرا، فقال له: من كان أبا مثواك البارحة؟ قال: حاتم، قال: فكيف كان مبيتك عنده؟ قال: خير مبيت، نحر لي ناقة فأطعمني لحما عبيطا، وأسقاني الخمر، وعلف راحلتي، وسرت من عنده بخير حال. فقال له: أنا حاتم، والله لا تبرح حتى ترى ما وصفت، فردّه وقال له: ما حملك على الكذب؟ فقال له الأعرابيّ: إنّ الناس كلّهم يثنون عليك بالجود، ولو ذكرت شرّا كنت أكذب، فرجعت مضطرّا إلى قولهم، إبقاء على نفسي لا عليك. وقد تقدّم قول البحتريّ في هذا المعنى: [الطويل]

أأشكو نداه بعد ما وسع الورى ... ومن ذا يذمّ الغيث إلا مذمّم (١)!

وقال حبيب: [الطويل]

فإن أنا لم يحمدك عنّي صاغرا ... عدوّك فاعلم أنني غير حامد (٢)

بسبّاقة تنساق من غير سائق ... وتنقاد في الآفاق من غير قائد

أفادت صديقا من عدوّ وصيرت ... أقارب دنيا من رجال أباعد

ومحلفة لمّا ترد أذن سامع ... فتصدر إلّا عن يمين وشاهد

وهذه القصيدة من كلامه يمدح بها محمد بن الهيثم، يقول: يسمع عدوّك إطنابي في مدحك فيمدحك صاغرا، فكيف وليّك! فأمدك بقصيدة تقطع الأرض، ليست بإبل تساق، ولا بخيل تقاد، فتردّ العدوّ صديقا، والبعيد قريبا، ولا يسمعها أحد إلا ويحلف أنه لم يسمع مثلها، فيشهد له بالصدق.

قوله: «وسوددك يبني»، أي يرفع لك مجدا وشرفا. حسامك يفنى، أي سيفك يقطع ويفني أعداءك. مواصلك يجتنى، أي من زارك وواصلك اجتنى نعمتك ومواهبك.

يقتنى، أي يكتسب. سماؤك تغيث، أي تأتي بالغيث وهو المطر فيستغيث الناس به من الجدب. سماحك يغيث، أي جودك وحسن خلقك يفرّج كرب المهموم، وتقول: غوّث الرجل، أي قال: وا غوثاه، وأغثته أغيثه، إذا فرّجت عنه ما يشتكي منه. درّك يفيض:

عطاؤك يشمل، أي لبنك يملأ الإناء ويفيض عليه، يريد أن عطاءه يكثر لسائله. وردّك


(١) البيت في ديوان البحتري ص ١٩٨٠.
(٢) الأبيات في ديوان أبي تمام ص ١١٩، ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>