للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ملح الصاحب بن عبّاد أن بعض الشعراء كتب له: [المتقارب] (١)

أيا من عطاياه تعطى الغني ... إلى راحتي من نأي أو دنا

كسوت المقيمين والزائرين ... كسا لم يخل مثلها ممكنا

وخاشية الدار يمشون في ... ثياب من الخزّ إلّا أنا

فقال الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلا قال له: احملني أيّها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، ثم قال له: لو علمت أنّ الله خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه. وقد أمرنا لك من الخزّ بجبّة وقميص ودرّاعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسا غير هذا من الخزّ لأعطيناكه. ثم أمر بإدخاله إلى الخزانة؛ وصبّ تلك الخلع عليه.

وأخبار الصاحب مستظرفة كثيرة الملح.

قال الحارث بن همام: فلمّا استعرضت حلّة الأبيات، تقت إلى معرفة ملحمها، وراقم علمها. فناجاني الفكر بأنّ الوصلة إليه العجوز، وأفتاني بأنّ حلوان المعرّف يجوز؛ فرصدتها وهي تستقري الصّفوف صفّا صفّا؛ وتستوكف الأكفّ كفّا كفّا، وما إن ينجح لها عناء، ولا يرشح على يدها إناء، فلمّا أكدى استعطافها، وكدّها مطافها، عاذت بالاسترجاع، ومالت إلى إرجاع الرّقاع، وأنساها الشّيطان ذكر رقعتي، فلم تعج إلى بقعتي، وآبت إلى الشّيخ باكية للحرمان، شاكية تحامل الزّمان؛ فقال: إنّا لله، وأفوّض أمري إلى الله، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله! ثمّ أنشد: [مخلع البسيط]

لم يبق صاف ولا مصاف ... ولا معين ولا معين

وفي المساوي بدا التّساوي ... فلا أمين ولا ثمين

***

قوله: «ملحمها»، ناسجها، ولما جعل الشّعر حلّة جعل له ناسجا وراقما. ناجاني:

حدّثني. الوصلة: الموصّلة. استعرضت، أي نظرت وعرضتها على نفسي. تقت:


(١) صدره:
ظللت ثلاثا لا نراع من الشذا
والبيت للممزق العبدي في الأصمعيات ص ١٦٥، والحيوان ٥/ ٤٤١، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>