وقال البحتريّ: [الكامل]
قد قلت للغيث الرّكام ولجّ في ... إبراقه، وألحّ في إرعاده (١)
لا تعرضنّ لجعفر متشبّها ... بندى يديه فلست من أنداده
الله شرّفه، وأعلى ذكره ... ورآه غيث بلاده وعباده
وقال ابن الروميّ: [الطويل]
مقبّل ظهر الكف وهّاب بطنها ... له راحة فيها الحطيم وزمزم
فظاهرها للنّاس ركن مقبّل ... وباطنها عين من الجود عيلم
***
حتّى إذا أفاق من غشيته، أقبل على غاشيته وقال: قد أشرب حسّي، ونبّأني حدسي؛ أنّهما صاحبا دهاء، لا خصما ادّعاء، فكيف السّبيل إلى سبرهما، واستنباط سرّهما! فقال له نحرير زمرته، وشرارة جمرته: إنّه لم يتمّ استخراج خبئهما إلّا بهما، فقفّاهما عونا يرجعهما إليه، فلمّا مثلا بين يديه، قال لهما:
اصدقاني سنّ بكركما، ولكما الأمان من تبعة مكركما. فأحجم الحدث واستقال، وأقدم الشّيخ وقال:
***
قوله: «غشيته»، أي ذهاب عقله بأن يغمى عليه. وغاشيته: زوّاره ومن يغشى موضعه. أشرب: دوخل: حسّي: إدراكي وفهمي. نبّأني: حدّثني. وأخبرني. حدسي:
ظنّي، قال الفرّاء رحمه الله: حدست أحدس، إذا قلت في الشيء برأيك. غيره:
حدست: ظننت ظنّا بلغت منه غاية الشيء في عدده أو وزنه، وأصله من قول العرب:
بلغت الحدس، أي الشيء الذي تطلب لحاقه. والدّهاء في الرجل: الحذق والتبصّر في الأشياء. لا خصما ادّعاء، أي ليس بينهما ادّعاء على الحقيقة فيختصمان فيها. سبرهما:
اختبارهما. استنباط: استخراج. نحرير: حاذق. زمرته: جماعته، وجعله شرارة؛ لنفوذ ذهنه واتّقاده، ولذلك يسمى نحريرا، أي ماهرا بالأشياء كلها، كأنه لإدراكه وفهمه بالأشياء ينحرها بظنّه الصادق. خبئهما: خفيّ ما عندهما. قفّاهما: أتبعهما. والعون:
الشرطيّ، لأنه يعين من يتصرّف له. مثلا: وقفا، يقال: مثل الشيء، فهو ماثل، إذا قام وانتصب، وإذا لطئ بالأرض أو ذهب، وهو من الأضداد. سنّ بكر كما: حقيقة خبركما. والبكر: الفتّى من الإبل، وسنه: مبلغ عمره، لأنّ بالسنّ يعرف كم بلغ من
(١) الأبيات في ديوان البحتري ص ٧٠٣.