ويستحبّ لمن وسم بوسمة الجمال، أن يكون شديد التصاون، قليل التبذّل، فذلك أدعى للسلامة، وقد قال ابن وكيع في ذلك: [البسيط]
قالوا عشقت كثير البخل ممتنعا ... فقلت: هيهات عنكم غاب أطيبه
لو جاد هان، وقلت الجود عادته ... وإنما عزّ لمّا عزّ مطلبه
فإذا تبذّل وأجاب كلّ من دعاه صار عرضة للظنون، ونبت عن محاسنه العيون، لأنّ النفس الحرّة لا تنفك من غيرة، وقد قال العباس بن الأحنف: [الكامل]
يا قوم لم أهجركم لملالة ... منّي ولا لمقال واش حاسد (١)
لكنّني جرّبتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد
وقال أبو الوليد بن حزم: [الكامل]
لمّا استمالك معشر لم أرضهم ... والقول فيك كما علمت كثير
داويت دونك مهجتي فتماسكت ... من بعد ما كادت إليك تطير
فاذهب فغير جوانحي لك منزل ... واسمع فغير وفائك المشكور
وله أيضا: [المتقارب]
يقول وقد لمته في الهوى ... فلان، وعرّضت شيئا قليلا:
أتحسدني؟ قلت: لا، والذي ... أحلّك في الحبّ مرعى وبيلا
وكيف وقد حلّ ذاك الإزار ... وقد سلك النّاس تلك السبيلا!
وقال محمد بن السريّ: [الكامل]
قايست بين جماله وفعاله ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
والله لا كلمته ولو أنه ... كالبدر أو كالشّمس أو كالمكتفي
وقال آخر: [الطويل]
أيا حسنا أزرت قبائح فعله ... عليه كما أزرى الكسوف على البدر
لقد فقت كلّ الناس حسنا وزينة ... ولكنّما قبّحت ذلك بالغدر
وقال ابن عيينة: [الكامل]
ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك
إن تقتليه وتذهبي بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
***
(١) البيتان في ديوان العباس بن الأحنف ص ١٠٦.