للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم بأنّك ما قدّمت من عمل ... يحصى عليك، وما خلّفت موروث

وقال الحسن: ابن آدم! أنت أسير الدنيا، رضيت من لذّاتها بما ينقضي، ومن نعيمها بما يمضي، ومن ملكها بما ينفد، تجمع لنفسك الأوزار، ولأهلك الأموال، فإذا متّ حملت أوزارك إلى قبرك، وتركت أموالك لأهلك. أخذه أبو العتاهية فقال: [البسيط]

أبقيت مالك ميراثا لوارثه ... يا ليت شعري ما أبقى لك المال

القوم بعدك في حال تسرّهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحال!

ملّوا البكاء فما يبكيك من أحد ... واستحكم القيل في الميراث والقال

وقال ابن عبد ربه: [الوافر]

أيا من عنده أمل طويل ... يؤدّيه إلى أجل قصير

أتفرح والمنيّة كلّ يوم ... تريك مكان قبرك في القبور

هي الدنيا فإن سرّتك يوما ... فإنّ الحزن عاقبة السّرور

ستسلب كلّ ما جمعت فيها ... كعارية تردّ إلى المعير

وقال جبلة بن الحويرث: [البسيط]

يا قلب إنّك في الأحياء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير (١)

تريد أمرا ولا تدري: أعاجله ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير!

فاستقدر لله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... إذ صار في الرّمس تعفوه الأعاصير

يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور

حتى كأن لم يكن إلّا تذكّره ... والدّهر أيّتما حين دهارير

وذاك آخر عهد من أخيك إذا ... بالموت ضمّنه اللّحد الخناسير

***

طالما أسيتم على انثلام الحبّة، وتناسيتم اخترام الأحبّة، واستكنتم لاعتراض العسرة، واستهنتم بانقراض الأسرة، وضحكتم عند الدّفن، ولا ضحككم ساعة الزّفن، وتبخترتم خلف الجنائز، ولا تبختركم يوم قبض الجوائز، وأعرضتم عن


(١) البيت الأول بلا نسبة في تاج العروس (أذذ)، وفيه «إنك من أسماء» بدل إنك في «الأحياء»، والبيت الثالث لحريث بن جبلة أو لعثير بن لبيد في الدرر ٣/ ١٠٠، ١١٨، وشرح شواهد المغني ١/ ٢٤٤، ولسان العرب (دهز)، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٩٤، وخزانة الأدب ٧/ ٦٠، ودرّة الغواص ص ٧٣، والكتاب ٣/ ٥٢٨، ومجالس ثعلب ١/ ٢٦٥، ومغني اللبيب ١/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>