للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنّ الرجل الشريف حين يصبح عندهم يأمر مواليه أن يقصدوا نظراءه من الأشراف والأعيان، فيأتون باب الشريف، فيستأذنون عليه، ويدخلون إليه ويقولون له: ينعم مولانا صباحك، ثم يسألونه عن حاله وعمّا حدث عنده ثم يفعلون كذلك بجميع أصحاب مولاهم، وكذلك يفعل موالي ذلك المقصود في قصد نظراء مولاهم، فتنضبط بذلك عندهم الرّعايات بين الأصدقاء والأقارب، وتتزايد المودّات بين الأولياء والأجانب. فعلى هذاالمعنى يقول في تعهد الموالي، وهو حسن إن شاء الله تعالى.

قوله: «تحلّي»، أي تزيّن. والمروءات، تقدمت. وتخفيف الأحزان: تهوين الطوارئ والنوازل. الأودّاء: والأحباب، يريد أنهم يكفون الأعداء، ورواية ابن ظفر «دفع العداء»، وأنكر «الأعداء»، وقال: العداء بالفتح والمد: الظلم.

امتحان: اختبار، يقول: إنما يتبيّن لك العاقل بمقارنته وبمصاحبته للجاهل، لأنّه لا يوافقه، وإن عكست قلت: الجاهل إذا صحب العاقل تبصّر وانتقى جهله.

وقالوا: إذا أردت أن تفحم عالما فأحضره جاهلا.

وقال الشاعر: [الكامل]

عدوي البليد إلى الجليد سريعة ... والجمر يوضع في الرماد فيخمد

وقال صلى الله عليه وسلم: «ويل لعالم أمر من جاهله».

وجاء كيسان إلى الخليل يسأله، ففكّر ليجيبه فلمّا استفتح الكلام، قال له: لا أدري ما تقول! فقال الخليل: [الكامل]

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

تبصّر العواقب: إمعان النظر في عاقبة الأمور. والمعاطب: المهالك، يريد من نظر في عاقبة أمره أمن ما يحذر.

الشّنعة: الفعل القبيح ينشر ذكره. السّمعة: الذكر الجميل يسمع عنك، أو القبيح فينشر في الناس.

الجفاء: سوء الأدب، وثقل الكلام. وينافي: يباعد. الوفاء: ضد الغدر.

***

ثم قال: هذه مائتا لفظة، تحتوي على أدب وعظة، فمن ساقها هذا المساق، فلا مراء ولا شقاق، ومن رام عكس قالبها، وأن يردّها على عقبها، فليقل: الأسرار عند الأحرار، وجوهر الوفاء، ينافي الجفاء، وقبح السّمعة ينشر الشّنعة، ثمّ على

<<  <  ج: ص:  >  >>