للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا المسحب فليسحبها، ولا يرهبها، حتّى تكون خاتمة فقرها، وآخرة دررها.

وربّ الإحسان صنيعة الإنسان.

***

تحتوي: تشتمل. عظة: موعظة.

المراء والشقاق، معناهما الخلاف، والعكس ردّ أول الكلام على آخره، وهو الردّ على العقب كما ذكره، وهو معنى القهقرة الّذي سمّى به المقامة، ولذلك لم ينسبها إلى بلد. والقهقرة: رجوع الرجل عنك، كما جاء عليك، وذكر أن يرجع إلى خلف، وهو يستقبلك بوجهه، وهو الردّ على العقب، وذلك أنّ الرجل إذا توجّه مقبلا إليك، فإنما يقدّم في مشيه إليك صدور قدميه، فإذا تقهقر قدّم في مشيه عقبه، وأصل القهقر: الحجر المدحرج، فإذا ضربته تدحرج في جريه، حتى يستقرّ، فإذا أردت أن يرجع إلى الموضع الذي جاء منه ضربته فتدحرج راجعا إلى جهة موضعه، فشبّه رجوع الرجل على ما وصفنا، وكذلك هذه الرسالة رجوع آخرها إلى أولها، مشبّه بذلك.

ولذلك شبّه الأعرابي فرسه في اجتماعه بالحجر (١) فقال: محبوبك مهملج (٢) كما تقهقر الأدعج.

والمسحب: الطريق الذي تجرّ فيه الشيء.

يرهبها: يخفها، أي لا يخرج الألفاظ عن طريقها فتختلّ، وذلك أن هذه الرسالة مركّبة كلها من مبتدأ وخبر، فإن وقفت فيها على مبتدأ في أولها أو آخرها أو وسطها، فأقرأه مع ما بعده تجده مستقيما، واقرأه مع ما قبله تجده كذلك، فإن وقفت على خبر مبتدأ فلا يستقيم مع ما بعده، وهو مع ما قبله أبعد، فأراد بقوله «لا يرهبها» لا يبتدئ لفظه بغير مبتدأ فتتداعى مبانيها، وتبطل معانيها فتفهمه.

والفقر في غير الموزون مثل القوافي في الموزون، والفقر مشتقة من فقار الظهر، لأنها تنقطع على قافيتين أو ثلاثة، وهذا هو الفرق بين الفقر والأسجاع إذ الأسجاع كلّها ترجع إلى قافية واحدة من سجع الحمام وهو لا يختلف، ولهذا قال المعرّي في الغراب: [الطويل]

أتى وهو طيار الجناح وإن مشى ... أشاع بما أعيا سطيحا من السّجع (٣)

وسطيح: كاهن، وكلامه أسجاع.

***

قال الراوي: فلمّا صدع برسالته الفريدة، وأملوحته المفيدة، علمنا كيف


(١) الحجر: الأنثى من الخيل.
(٢) الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة.
(٣) البيت في سقط الزند ص ١٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>