للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرى الماء كذلك، ولا يكون الانسياب إلا على وجه الأرض، لا يقال: انساب في الجحر؛ حدّثني به بعض من لقيت من أصحابنا، وكان أضبط النّاس للسان العرب، قال:

وقول الحريري: «انساب فيها» وهم منه، ولو قال: «انشام فيها» لكان أمثل، يشبّهه بالسيف إذا وضع في غمده. غرارة: غفلة. ريث: قدر. هجمت عليه: دخلت عليه فجأة، ومنه هجم عليه الحرّ، وهجمت عينه: دخلت في رأسه. محاذيا: ملاصقا أو جالسا بحذائه. تلميذ: متعلم الصنعة حنيذ: مشويّ، وحنذ اللحم حنذا: شواه بحجارة محماة. نبيذ، أراد به خمرا، خبرك، أراد به أمرك الذي أنت عليه، مخبرك، أي باطنك وما يختبر منك.

ومما ينتظم في هذا النمط حكاية أبي نواس حين رئي في مجلس منصور بن عمار يبكي، فظن الناس أنه قد نسك، فجعلوا يهنئونه، ويقولون: نرجو لك من الله الخير، فقال: أنا أهون على الله من ذلك؛ وليس كما تظنون، ولكن أبكي لبكاء ذلك الغزال- وغلام بالمجلس يبكي من وعظ منصور- ثم قال: [السريع]

لم أبك في مجلس منصور ... شوقا إلى الجنّة والحور

لكن بكائي لبكا شادن ... تقيه نفسي كلّ محذور

تنتسب الألسن في وصفه ... إلى مدى عجز وتقصير

وحضر أيضا مجلس بعض القصاص، فقالوا له: لعلّ الله قد أقبل بك! فقال: إنما حضرت لأجل هذا الغزال، ثم قال: [مجزوء الرمل]

خلّياني والمعاصي ... ودعا ذكر القصاص

واسقياني الخمر صرفا ... في أباريق الرّصاص

وعلى وجه غزال ... طائع ليس بعاصي

بين فتيان كرام ... قد تواصوا بالمعاصي

وعلى الله- وإن أف ... رطت في الذنب- خلاصي

***

فزفر زفرة القيظ، وكاد يتميّز من الغيظ؛ ولم يزل يحملق إلي، حتى خفت أن يسطو عليّ، فلمّا أن خبت ناره، وتوارى أواره، أنشد: [المتقارب]

لبست الخميصة أبغي الخبيصة ... وأنشبت شصّي في كلّ شيصه

وصيّرت وعظي أحبولة ... أريغ القنيص بها والقنيصه

وألجأني الدّهر حتى ولج ... ت بلطف احتيالي على اللّيث عيصه

على أنّني لم أهب صرفه ... ولا نبضت لي منه فريصه

<<  <  ج: ص:  >  >>