للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلوي بن مالك بن ذعر، وهو أوّل من نزلها. وقال اليعقوبيّ: الرّها من ديار مضر، وهي مدينة رومية ذات عيون كثيرة منها عجيبة، تجري الأنهار وبها الكنيسة التي للنصارى، وهي إحدى عجائب الدّنيا الموصوفة، وكان بالرّها رجل ضعيف الحال متجمّل بين الناس، فخرج ذات يوم من منزله وعليه جبّة له، فلقيه سائل، فسأله شيئا يدفئه، فقال:

والله ما أملك غير جبّتي هذه فقال السائل: ألا تحب أن تكون من الذين قال الله تعالى في حقهم: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: ٩]، فدفعها إليه.

أنّى: كيف. سهيل والسها: كوكبان لا يلتقيان، لأن السها نجم خفيّ في بنات نعش، وبنات نعش لا تغرب أبدا في بلاد أرمينية وفي سمتها بلاد الشام والمغرب والأندلس، وسهيل لا يرى في شيء من هذه البلاد إلا رؤية لا يعتدّ بها في أيام قلائل، فلا يلتقي سهيل والسها بوجه، وإنما أخذ هذا من لفظ عمر بن أبي ربيعة حيث قال: [الخفيف]

أيّها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان (١)

هي شامية إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمان

والثريا هذه بنت عليّ بن عبد الله بن الحارث، وكانت موصوفة بالجمال وكان عمر يشبّب بها، فتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري فنقلها إلى مصر؛ فضرب لها عمر المثل بالكوكبين، وأبدل الحريري لفظ الثريا بالسها، وأفاد عدم الالتقاء، وسهيل هو كوكب أحمر يخيّل إليك لشدة اضطرابه به أنه يستدير، وقال المعرّي في صفته فأحسن: [الخفيف]

وسهيل كوجنة الحبّ في اللو ... ن وقلب المحبّ في الخفقان (٢)

مستبدّا كأنه الفارس المع ... لم يبدو معارض الفرسان

يسرع اللمح في احمرار كما تس ... رع باللمح مقلة الغضبان

ضرّجته دما سيوف الأعادي ... فبكت رحمة له الشّعريان

قدماه وراءه وهو في العج ... ز كساع ليست له قدمان

قالوا: ولا تقنع عين بعير على سهيل إلا مات من حينه.

وقد أشار المعري إلى هذا في قوله:

لا تحسبن إبلي سهيلا طالعا ... بالشأم فالمرئيّ شعلة مقبس


(١) البيت الأول لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٥٠٣، والأغاني ١/ ٢١٩، وأمالي المرتضى ١/ ٣٤٨، وخزانة الأدب ٢/ ٢٨، والشعر والشعراء ٢/ ٥٦٢، ولسان العرب (عمر)، والمقاصد النحوية ٣/ ٤١٣، وللنعمان بن بشير في ديوانه ص ١٤، وبلا نسبة في المقتضب ٢/ ٣٢٩، ويروى «يجتمعان» بدل «يلتقيان»، والبيت الثاني بلا نسبة في تاج العروس (شأم).
(٢) الأبيات في سقط الزند ص ٤٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>