ومتى طلع صرفت الإبل كلها وجوهها عن مطلعه وقابلته بأعجازها: وقال المتنبي:
[الوافر]
وتنكر قتلهم وأنا سهيل ... طلعت بموت أولاد الزناء (١)
وفي معنى تخويف ابن همام للسروجي بعقاب الوالي ما حدّث أن أبا الحسن العباس بن حيون، دخل عليه في السجن من أعلمه أن إبراهيم بن الأغلب يريد قتله، فلم يجد مفرا، فقال لمعلمه بالخبر، وأحسن في قوله:[الوافر]
تخوّفني بمخلوق ضعيف ... يهاب من المنية ما أهاب
له أجل ولي أجل وكلّ ... سيبلغ حيث بلّغه الكتاب
***
فلمّا حضرت الوالي وقد خلا مجلسه، وانجلى تعبسه، أخذ يصف أبا زيد وفضله. ويذمّ الدّهر له، ثمّ قال: نشدتك الله، ألست الّذي أعاره الدّست؟ فقلت:
لا والّذي أحلّك في هذا الدّست، ما أنا بصاحب ذلك الدّست؛ بل أنت الّذي تمّ عليه الدّست، فازورّت مقلتاه، واحمرّت وجنتاه، وقال: والله ما أعجزني قطّ فضح مريب، لا تكشيف معيب؛ ولكن ما سمعت بأنّ شيخا دلّس، بعد ما تطلّس وتقلّس، فبهذا تم له أن لبس، أفتدري أين سكع، ذلك اللّكع؟ قلت: أشفق منك لتعدي طوره فظعن عن بغداد من فوره. فقال: لا قرّب الله له نوى، ولا كلأه أين ثوى؛ فما زاولت أشدّ من نكره، ولا ذقت أمرّ من مكره، ولولا حزمة أدبه، لأوغلت في طلبه، إلى أن يقع في يدي فأوقع به، وإني لأكره أن تشيع فعلته بمدينة السّلام، فافتضح بين الأنام، وتحبط مكانتي عند الإمام؛ وأصير ضحكة بين الخاصّ والعامّ، فعاهدني على ألا أفوه بما اعتمد، ما دمت حلا بهذا البلد.
قال الحارث بن همام: فعاهدته معاهدة من لا يتأوّل، ووفيت له كما وفى السّموأل.
***
قوله:«انجلى»، أي زال وانكشف. نشدتك: حلّفتك. الدّست الأول هو الثوب، والثاني: المجلس، والثالث هو الأول، والرابع هو الخداع والحيلة، وقدمه في الحادية عشرة حيث قال: متى ما دسته تمّ. ازورّت مقلتاه: اعوجّت عيناه وتغيّر نظرهما.
والوجنتان: ما أحاط بالعين من أسفل. أعجزني: غلبني. فضح مريب: كشف متهم.
تطلّس: لبس الطيلسان، وهو من لباس الخواص، وهو كساء خزّ. لبّس: خلط. سكع: