فقلت اغتبقها أو لغيري فاسقها ... فما أنا بعد الشّيب ويحك والخمر
تعفّفت عنها في السّين التي خلت ... فكيف التّصابي بعد ما كلأ العمر
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الّذي ارتأى ... وإن جرّ أسباب الحياة له الدّهر
قال الهيثم بن عديّ: كنا نقول بالكوفة: من لم يرو هذه الأبيات فلا مروءة له، أنشدها أبو عليّ في نوادره. وأنشد أيضا: [المتقارب]
رأيت النّبيذ يذلّ العزيز ... ويكسو التقيّ النّقيّ اتّساخا (١)
فهبني عذرت الفتى جاهلا ... فما العذر فيه إذ المرء شاخا
وأنشد أيضا في نوادره لمن حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية مروءة جملة أشعار، شهرتها في الكتاب أغنت عن ذكرها، وأين شرف أولئك في جاهليّتهم- على أن الخمر مباحة لهم- من مجون جماعة من الإسلاميّين- على تحريمها عليهم- مثل الرّمادي في قوله: [الطويل]
أفي الخمر لامت خلّتي مستهامها ... كفرت بكأسي إن أطعت ملامها
لمحمولة في الفلك في جنّة المنى ... قد أوصى لنوح غرسها وضمامها
فخادعه إبليس عنها لعلمه ... بها فرأى كتمانها واغتنامها
ففاز بثلثيها ونوح بثلثها ... ولولا مضيّ عنه لم يك رامها
له حظ أنثى وهو حظ مذكّر ... قليل لعيني أن أطيل انسجامها
وإنا لوتران وقد مات جدنا ... عنينا وإنا لا نجيز اقتسامها
أخذ هذا من خبر يروى، أنّ نوحا عليه الصلاة والسلام لما نزل من السفينة، نازعه إبليس أصل العنب، فاصطلحا أنّ لنوح الثلث ولإبليس الثلثين.
ولما قيل للحسن: نزعت عن اللهو إلى التوبة، قال: [البسيط]
قالوا نزعت ولمّا يعلموا وطري ... في وصل أغيد ساجي الطّرف ميّاس
كيف النزوع وقلبي قد تقسّمه ... لحظ العيون ولون الراح في الكاس
إذا نزعت إلى رشد تكنّفني ... رأيان قد شغلا يسري وإفلاسي
فاليسر في القصف واللذات أخلسها ... والعمر في وصل من أهوى من النّاس
لا خير للعيش إلا في المجون مع ... الأكفاء في الورد والخيريّ والآس
ومسمع يتغنّى والكئوس لها ... حثّ علينا بأخماس وأسداس
(١) البيتان بلا نسبة في أمالي القالي ٢/ ١٣٩.