للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منى كنّ لي أنّ البياض خضاب ... فيخفى بتبييض القرون شباب (١)

ليالي عند البيض فوداي فتنة ... وفخر وذاك الفخر عندي عاب

فكيف أذمّ اليوم ما كنت أشتهي ... وأدعو بما أشكوه حين أجاب

كأنّ أبا الطيب نسي ما قاله في الشيب في الزمن الذي زعم أنه كان يشتهيه ويتمنّاه:

[البسيط]

أبعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظّلم (٢)

وقال ربعيّ: [المنسرح]

من كان يبكي الشباب من أسف ... فلست أبكي عليه من أسف

كيف وشرخ الشباب أوقفني ... يوم حسابي مواقف التّلف

لا صحبت شرّة الشباب ولا ... عدمت ما في المشيب من خلف

وقال ابن رشيق: [مخلع البسيط]

أراك للشيب ذا اكتئاب ... فأين تمضي عن الصواب

إن كنت ترعى الوفاء حقّا ... فالشيب أوفى من الشّباب

وحقيقة الأمر أنه ما زال الناس يكرهون الشيب ويذمّونه، نثرا ونظما. لما فيه من دليل الفناء، والهجنة عند النساء، وقطع اللذات بالرّقبة والحياء، ويحبون الشباب ويمدحونه، لما فيه من عذرة الجاهل، وإتيان العاجل، وحسن الشمائل؛ إلا أن لطف الحذاق من الشعراء في تحسين ما كانوا يكرهون، وتقبيح ما كانوا يمدحون رياضة للنفوس، وتوسعا في القول، كما قال أحدهم: [الطويل]

تفاريق شيب في العذار لوامع ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم!

وقالوا: في الشيب استحكام الوقار، وتناهي الحلال، وميسم التّجربة، فهذه مقاصدهم فقف عليها.

قوله: أفراحي: جمع فرح، الراح: الخمر، والثاني جمع راحة، وهي الكفّ.

معتقة: خمر قديمة شديدة الحمرة. أنار: بيّض. إصباحي: احمرار شعري، والصبح:

حمرة الشعر، وضعه موضع السّواد، لأنّ كليهما من حلية الشباب، وحمله على هذا ما ضمن الشيب من التحسين فيقول مستفهما: هل يجوز شربي في البكور من خمر صافية في حال تغيير الكبر شبابي، وتبديله حلية الشباب بحلية الشيوخ. خامرتني: خالطتني.

إفصاحي: تبييني. السّلاف: الخمر. وأجلت: صرّفت. قداحي: سهام الميسر. أقداح:


(١) الأبيات في ديوان المتنبي ١/ ١٨٨.
(٢) البيت في ديوان المتنبي ٤/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>