بالجمع المقدّم ذكره، كقولك: صيارفة وصياقلة، فينصرف هذا الجمع عند التحاق الهاء به، لأنها قد أصارته إلى أمثال الآحاد، نحو: رفاهية وكراهية فخفّ بهذا السبب وصرف لهذه العلة. وقد كني في هذه الأحجية عمّا لا ينصرف بالمعتقل، كما كني في التي قبلها عمّا لا ينصرف باللازم.
وأما السين التي تعزل العامل من غير أن تجامل، فهي التي تدخل على الفعل المستقبل وتفصل بينه وبين أن، التي كانت قبل دخولها من أدوات النصب، فيرتفع حينئذ الفعل وتنتقل أن عن كونها الناصبة للفعل إلى أن تصير المخففة من الثقيلة، وذلك كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى [المزمل: ٢٠]، وتقديره: علم أنه سيكون.
وأما المنصوب على الظرف الذي لا يخفضه سوى حرف، فهو:«عند» إذ لا يجرّه غير «من» خاصة، وقول العامة: ذهبت إلى عنده لحن.
وأما المضاف الذي أخلّ من عرى الإضافة بعروة، واختلف حكمه بين سماء وغدوة، فهو «لدن» ولدن من الأسماء الملازمة للإضافة، وكلّ ما يأتي بعدها مجرور بها إلّا غدوة، فإن العرب نصبتها بلدن لكثرة استعمالهم إياها في الكلام، ثم نوّنتها أيضا ليتبيّن بذلك أنّها منصوبة، لا أنّها من نوع المجرورات التي لا تنصرف، وعند بعض النحويين أن «لدن» بمعنى «عند»، والصحيح أنّ بينهما فرقا لطيفا، وهو أنّ «عند» يشتمل معناها على ما هو في ملكك ومكنتك، ممّا دنا منك وبعد عنك ولدن يختصّ معناها بما حضرك وقرب منك.
وأما العامل الذي يتصل آخره بأوله، ويعمل معكوسه مثل عمله، فهو:«يا»، ومعكوسها «أي»، وكلتاهما من حروف النداء، وعملهما في الاسم المنادى سيّان، وإن كانت «يا» أجول في الكلام، وأكثر في الاستعمال. وقد اختار بعضهم أن ينادي بأي، القريب فقط كالهمزة.
وأما العامل الذي نائبه أرحب منه وكرا، وأعظم مكرا، وأكثر لله تعالى ذكرا، فهو باء القسم؛ وهذه الباء هي أصل حروف القسم بدلالة استعمالها مع ظهور فعل القسم في قولك: أقسم بالله، ولدخولها أيضا على المضمر، كقولك: بك لأفعلنّ؛ وإنما أبدلت الواو منها في القسم لأنهما جميعا من حروف الشفة؛ ثم لتقارب معنييهما؛ لأنّ الواو تفيد الجمع والباء تفيد الإلصاق، وكلاهما متّفق، والمعنيان متقاربان. ثم صارت الواو المبدلة من الباء أدور في الكلام وأعلق بالأقسام؛ ولهذا ألغز بأنها أكثر لله تعالى ذكرا. ثم إن الواو أكثر موطنا من الباء، لأن الباء لا تدخل إلا على الاسم، ولا تعمل غير الجرّ، والواو تدخل على الاسم والفعل والحرف. وتجرّ تارة بالقسم وتارة بإضمار ربّ. وتنتظم أيضا نواصب الفعل وأدوات العطف فلهذا وصفها برحب الوكر وعظم المكر.