للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتقوى. أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم» (١)، فلذلك قال: إنما الفخر بالتقى.

وقال عليّ كرم الله وجهه ورضي عنه: [البسيط]

الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأمّ حوّاء

فإن يكن لهم من قبل ذا نسب ... يفاخرون به فالطين والماء

وقال عامر بن الطفيل: [الطويل]

وإني وإن كنت ابن سيّد عامر ... وفي السرّ منها والصريج المهذّب (٢)

فما سودتني عامر عن ولادة ... أبى الله أن أسمو بأمّ ولا أب

ولكنّني أحمي حماها وأتّقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب

فهذا مع إمكانه الفخر بالآباء لم يفخر إلا بنفسه. وأخذه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال: [الكامل]

لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوما على الأحساب نتّكل

نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وهذا مثل قول الحسن رضي الله تعالى عنه وقد أجزل صلة شاعر، فليم في ذلك فقال: أتراني خفت أن يقول: إني لست ابن فاطمة بنت النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا ابن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، ولكني خفت أن يقول: لست كمثلهما فيصدّق ويحمل عنه، ويبقى مخلّدا في الكتاب محفوظا على ألسنة الرواة، فقال الشاعر: أنت والله يا بن رسول الله أعرف بالمدح والذم مني.

قوله: والأدب المنتقى؛ حدّث يحيى بن أكثم قال: بينما أنا جالس مع المأمون إذ دخل الدار فتى، أبدع الناس زيّا وهيبة ووقارا، وهو لا يلتفت إعجابا بنفسه، فنظر إليه المأمون، فقال: يا يحيى إنّ هذا الفتى لا يخلو أن يكون هاشميّا أو نحويّا، ثم بعثا من يتعرف ذلك منه. فعاد الرسول فأخبر أنه نحويّ. فقال المأمون: يا يحيى؛ أعلمت إن علم النحو قد بلغ بأهله من عزة النفس وعلوّ الهمة منزلة بني هاشم في شرفهم! يا يحيى، من قعد به نسبه قام به أدبه.


(١) أخرجه الترمذي في التفسير، تفسير سورة ٤٩، باب ٥، وأحمد في المسند ٥/ ٤١١.
(٢) الأبيات في ديوان عامر بن الطفيل ص ٢٨، والبيت الثاني في الحيوان ٢/ ٩٥، وخزانة الأدب ٨/ ٣٤٣، ٣٤٥، ٣٤٨، وشرح شواهد الشافية ص ٤٠٤، وشرح شواهد المغني ص ٩٥٣، وشرح المفصل ١٠/ ١٠١، والشعر والشعراء ص ٣٤٣، ولسان العرب (كلل)، والمقاصد النحوية ١/ ٢٤٢، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ١٨٥، والخصائص ٢/ ٣٤٢، ومغني اللبيب ص ٦٧٧، ويروى «عن وراثة» بدل «عن ولادة».

<<  <  ج: ص:  >  >>