للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المروءة أديمه. فعقلت ما عناه، وإن لم يدر القوم معناه، وساءني ما يعانيه من الرّعدة، واقشعرار الجلدة. فعمدت لفروة هي بالنّهار رياشي، وفي اللّيل فراشي فنضوتها عنّي، وقلت له: اقبلها منّي؛ فما كذب أن افتراها، وعيني تراها. ثم أنشد: [السريع]

لله من ألبسني فروة ... أضحت من الرّعدة لي جنّه

ألبسنيها واقيا مهجتي ... وقّي شرّ الإنس والجنّه

سيكتسي اليوم ثنائي وفي ... غد سيكسى سندس الجنّه

***

والعصامية: منسوبة إلى عاصم بن شهبر بن الحارث الجرميّ، حاجب النعمان بن المنذر الذي يقول له النابغة: [الوافر]

فإني لا ألام على دخول ... ولكن ما وراءك يا عصام (١)

ولم يكن عصام شريفا، ولا نشأ في قومه، ولكن كان من أشدّ الناس بأسا، وأفصحهم لسانا، وأحزمهم رأيا، وأقربهم إلى النعمان، وقال له رجل يوما: كيف بلغت هذه المنزلة من الملك وأنت دنيء الأصل؟ فقال: [الرجز]

نفس عصام سوّدت عصاما ... وعلّمته الكرّ والإقداما

* وصيّرته سيّدا هماما (٢) *

ويقال: كن عصاميا ولا تكن عظاميا، أي افتخر بنفسك لا بآبائك الذين ماتوا وبقيت عظامهم. فكلّ من ليس له شرف قديم، وشرف بنفسه، يقال له عصاميّ.

وكانت لرجل عند الحجاج حاجة، فوصف بالجهل والحمق، فأراد أن يختبره، فقال: أعصاميّ أنت أم عظاميّ؟ فقال له الرجل: عصاميّ عظاميّ، فظنّ أنه يريد افتخاره بنفسه لفضله وبآبائه لشرفهم، فقال الحجاج: هذا من أفضل الناس، وقضى حاجته ثم جرّبه بعد ذلك، فوجده أجهل الناس، فقال له: أصدقني وإلا قتلتك، أجبتني بعصاميّ وعظاميّ، فقال له الرجل: لم أعلم معناهما، فخشيت أن أقول أحدهما فأخطئ، فقلت في نفسي: أقولهما معا، فإن ضرّني أحدهما نفعني الآخر، فقال الحجاج: المعاذير تصيّر الغبيّ خطيبا، فذهبت مثلا.


(١) البيت في ديوان النابغة الذبياني ص ١٠٥، ومقاييس اللغة ٤/ ٣٣٤.
(٢) الرجز لعصام بن شهبر في تاج العروس (شهبر)، وبلا نسبة في لسان العرب (عصم)، ومقاييس اللغة ٢/ ١٧٥، ٤/ ٣٣٤، وتاج العروس (عصم).

<<  <  ج: ص:  >  >>