للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولها شرر، ثم دعوت الثالثة، فهبط جبريل عليه السلام ينادي: من لهذا المكروب؟

فدعوت الله أن يولّيني قتله. واعلم يا عبد الله أن من دعا بدعائك في كلّ شدّة أغاثه الله، وفرّج عنه. ثم جاء التاجر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، فقال: «لقد لقنك الله أسماءه الحسنى التي إذا دعي بها أجاب، وإذا سئل بها أعطى».

وقال عمرو السرايا: كنت أعبر في بلاد الروم وحدي، فبينا أنا نائم إذ ورد عليّ علج فحرّكني، ثم قال: يا أعرابيّ، اختر إمّا مسايفة، وإما مطاعنة، أو مصارعة! فقلت:

المسايفة والمطاعنة لا معنى لهما، ولكن المصارعة، فلم ينهنهني أن صرعني وقعد على صدري، وقال: أيّ قتلة تريد أن أقتلك، فذكرت الدعاء ورفعت رأسي إلى السماء، وقلت: أشهد أن كلّ معبود ما دون عرشك إلى منتهى الأرضين باطل، عزّ وجهك الكريم؛ فقد ترى ما نزل بي. وأغمي عليّ، فأفقت والرومي قتيل إلى جانبي، فقمت، وكنت أعلّم الناس هذا الدعاء.

ووجّه سليمان بن عبد الملك محمد بن يزيد إلى العراق، فأطلق أهل سجون الحجاج وضيّق على يزيد بن أبي مسلم كاتبه. فظفر به يزيد لمّا ولي إفريقيّة، فجعل محمد يقول: اللهم احفظ لي إطلاق الأسرى، وإعطاء الفقراء، فلما دنا يزيد منه وفي يده عنقود، قال: يا محمد ما زلت أسأل الله أن يظفرني بك. فقال له محمد: وما زلت أستجير الله منك، قال: فو الله ما أجارك ولا أعاذك منّي. وو الله لأقتلنّك قبل أن آكل هذه الحبّة من العنب؛ وو الله لو رأيت ملكا يريد قبض روحك لسبقته إليها. وأقيمت الصلاة فوضع حبّة العنب بين يديه، وتقدّم فصلّى بهم، وكان أهل إفريقية اجتمعوا على قتل يزيد، فلما ركع ضربه رجل بعمود حديد فقتله، وقال لمحمد: اذهب حيث شئت.

وقال حماد الراوية: كنت منقطعا إلى يزيد بن عبد الملك، وكان أخوه هشام يجفوني في أيامه لذلك، فلمّا مات يزيد، وأفضت الخلافة إلى هشام خفته، فمكثت في بيتي سنة؛ لا أخرج إلا لمن آمن إليه من إخواني سرّا. فلمّا لم أسمع أحدا يذكرني في السنة أمنت فخرجت، وصلّيت الجمعة في الرّصافة، فإذا شرطيّان قد وقفا عليّ، وقالا: يا حمّاد، أجب الأمير يوسف بن عمر، فقلت في نفسي: من هذا كنت أخاف، ثم قلت للشرطيين: هل لكما أن تدعاني حتى آتي أهلي فأودّعهم وداع من لا يرجع إليهم أبدا، ثم أسير معكما إليه؟ فقال:

ما إلى ذلك من سبيل، فاستسلمت في أيديهما، وسرت إلى يوسف بن عمر وهو في الإيوان الأحمر، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام ورمى إليّ كتابا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله هشام أمير المؤمنين إلى يوسف بن عمر. أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فابعث إلى حماد الراوية من يأتيك به من غير تروّع ولا تتعتع، وادفع إليه خمسمائة دينار وجملا مهريّا يسير عليه اثنتي عشرة ليلة إلى دمشق، فأخذت الدنانير وجعلت رجلي في غرز جمل أعدّه لي، ووافيت دمشق لاثنتي عشرة ليلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>