للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستأذنت على هشام، فأذن لي، فدخلت عليه فورا في دار مفروشة بالرّخام، وبين كلّ رخامتين قضيب من ذهب، وهو جالس على طنفسة حمراء، وعليه ثياب حمر من الخزّ، وقد تضمّخ بالمسك والعنبر، فسلّمت عليه، فردّ عليّ السلام واستدناني فدنوت منه، حتى قبّلت رجله، فإذا جاريتان لم أر مثلهما قط، في أذني كلّ واحدة منهما حلقتان فيهما لؤلؤتان توقدان، فقال: كيف أنت يا حماد وكيف حالك؟ فقلت: بخير يا أمير المؤمنين، قال: أتدري فيم بعثت إليك؟ قلت: لا، قال: في بيت خطر ببالي لم أدر من قائله، قلت: وما هو؟ قال: [الخفيف]

ودعوا بالصّبوح يوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق (١)

فقلت: هو لعديّ بن زيد في قصيدة له، قال: أنشدنيها فأنشدته: [الخفيف]

بكر العاذلون في وضح الصب ... ح يقولون لي: أما تستفيق (٢)

ويلومون فيك يا ابنة عبد اللّ ... هـ والقلب عندكم موثوق

لست أدري إذ أكثروا العذل فيها ... أعدوّ يلومني أم صديق!

حتى انتهيت إلى قوله: [الخفيف]

ودعوا بالصبوح يوما ... البيت.

قدّمته على سلاف كعين الدّ ... يك صفّى سلافها الرّاووق

مرّة قبل مزجها فإذا ما ... مزجت لذّ طعمها من يذوق

وطفا فوقها فقاقيع كاليا ... قوت حمر يزينها التّصفيق

ثم كان المزاج ماء سحاب ... لا صرى آجن ولا مطروق

قال: فطرب، ثم قال لي: أحسنت والله يا حماد! ثم قال لإحدى الجاريتين: اسقيه، فسقتني شربة ذهبت بثلث عقلي، ثم قال: أعده فأعدته، عليه، فاستخفّه الطرب حتى نزل عن فرشه، ثم قال للأخرى: اسقيه، فسقتني شربة فذهب ثلث آخر من عقلي، ثم قال: سل حاجتك، فقلت: إحدى الجاريتين، فقال: هما جميعا لك، ثم قال للأولى اسقيه، فسقتني شربة سقطت منها فلم أفق إلا والجاريتان عند رأسي وعشرة من الخدم مع كلّ واحد بدرة، فقيل لي يقول: لك أمير المؤمنين: انتفع بهذا في سفرك، فأخذتها والجاريتين وعاودت أهلي.

وذكر أبو محمد هذه الحكاية في الدرّة وقال: هذه حكاية تنشر مآثر الأجواد، وترغّب المتأدب في الازدياد. وهذه النبذة دالة على أخبار الفرج بعد الشدّة فلنقتصر عليها.

***


(١) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ٧٨، ولسان العرب (برق)، (طرق)، وتاج العروس (برق).
(٢) الأبيات في ديوان عدي بن زيد ص ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>