للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يصدق إملاقي، ولا نزع عن إرهاقي، بل جدّ في التّقاضي، ولجّ في اقتيادي إلى القاضي. وكلّما خضعت له في الكلام، واستنزلت منه رفق الكرام، ورغبته في أن ينظر لي بمياسرة، أو ينظرني إلى ميسرة. قال: لا تطمع في الإنظار واحتجان النّضار، فو حقّك ما ترى مسالك الخلاص، أو تريني سبائك الخلاص.

فلمّا رأيت احتداد لدده، وألّا مناص لي من يده، شاغبته، ثمّ واثبته، ليرافعني إلى والي الجرائم، لا إلى الحاكم في المظالم، لما كان بلغني من إفضال الوالي وفضله، وتشدّد القاضي وبخله. فلمّا حضرنا باب أمير طوس، آنست ألّا بأس ولا بوس. فاستدعيت دواة بيضاء، وأنشأت رسالة رقطاء؛ وهي:

***

ومثله إملاقي، وأملق: ذهب ماله، مشتق من الملقات وهي الصخور الملس، كأنه افتقر حتى لم يبق له ما يلبس إلّا جلده الأملس. نزع: كفّ. إرهاقي: تكليفي ما لا أطيق، وأرهقته: كلّفته مشقة، والرّهق: الظلم. جدّ: عزم واجتهد، التقاضي: طلب المال. لج: عزم وركب رأسه. استنزلت: طلبت. رفق الكرام: لطفهم وحنانهم على الفقير. مياسرة: لين ومساهلة. ينظرني: يؤخّر بي والإنظار الإمهال، وفي حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «من أنظر معسرا أظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظله».

ميسرة: غنى. احتجان: اختزان، واحتجنت الشيء: ضممته بالمحجن، وهو عود معقّف. النّضار: الذهب. مسالك الخلاص. طرق النّجاة سبائك: فقر وقطع. الخلاص، بالكسر: الذهب الخالص. احتداد: اشتداد، وقد احتدّ. لدده: خصامه وإلحاحه.

مناص: مخلص ومفرّ، وناص عن قرينه نوصا ومناصا، إذا فزع وفرّ، وما أحسن ما قال العبديّ في محمد بن إبراهيم يشكو غريما لازمه: [الرمل]

اقض عنّي يا بن عمّ المصطفى ... أنا بالله من الدّين وبك

من غريم فاحش قد عرّني ... أسود الوجه لعرضي منتهك

أنا والظلّ وهو ثالثنا ... أينما زلت من الأرض سلك

شاغبته: شاررته، أي أوقعت بيني وبينه الشغاب. واثبته: ضاربته ووثبت إليه، ووثب إليّ والي الجرائم: حاكم الجنايات، والحاكم في المظالم: هو القاضي. إفضال:

إنعام فضله: جوده وكرمه. وتشدّد: بخل، ورجل شديد ومشداد، أي بخيل، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: ٨]، أي لبخيل من أجل حبه الخير وهو المال، أو تشدّد شدته على من تعين قبله حق. آنست: علمت وأحسنت بأس: ضرّ.

وبوس: شدّة. بيضاء: ورقة يكتب فيها؛ ولابن الزّقاق فيها: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>