للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأربعين في نماء وزيادة وقوة، ومن الأربعين إلى الثمانين في نقص، فالبالغ الثمانين قد استوفى عمري الزيادة والنقص، وسئل ذو الرّمة عن سنّه، فقال: بلغت نصف عمر الهرم أربعين سنة، وقيل: العمر ستون سنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين» (١).

ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه» (٢). فالعمران على هذا مائة وعشرون سنة، والحكماء يزعمون أنه منتهى ما يبلغ عمر ابن آدم، والأظهر من سياق المقامة أنه أراد الأول، لأن من قارب مائة وعشرين سنة لا يلتذ بخمر ولا بغيره وهو يزعم في المقامة أنه يحاول شربها الغناء وغير ذلك.

قوله: أبان: بيّن. منطيق: فصيح، اجتبى حبوتهم، أي جلس مثل جلوسهم المنتدين: أهل المجلس. ازدراه: احتقره.

أصغريه: قلبه ولسانه، وقيل لهما الأصغران لصغر حجمهما من بين الأعضاء لفضلهما وشرفهما على الأعضاء، قال عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ولكنّي مدرّب الأصغرين، ولجلبهما القيام والكمال، كأنه قال: المرء يقوّم أموره بلسانه وقلبه، ويكمل المرء بهما، قال الأصمعيّ رحمه الله تعالى: كان ضمرة بن أبي ضمرة قصيرا، وكان يقول: المرء بأصغريه، بقلبه ولسانه.

***

وأخذوا يتداعون فصل الخطاب، ويعتدّون عوده من الاحطاب، وهو لا يفيض بكلمة، ولا يبين عن سمة، إلى أن سبر قرائحهم، وخبر شمائلهم وراجحهم. فحين استخرج دفائنهم، واستنثل كنائنهم، قال: يا قوم لو علمتم أنّ وراء الفدام، صفو المدام، لما احتقرتم ذا أخلاق، وقلتم ما له من خلاق، ثمّ فجّر من ينابيع الأدب، والنّكت النّخب، ما جلب به بدائع العجب، واستوجب أن يكتب بذوب الذّهب، فلمّا خلب كلّ خلب، وقلب إليه كلّ قلب، تحلحل، ليرحل، وتأهّب، ليذهب، فعلقت الجماعة بذيله، وعاقت مسرب سيله، وقالت له: قد أريتنا وسم قدحك، فخبّرنا عن قيضك ومحّك، فصمت صموت من أفحم، ثم أعول حتّى رحم.


(١) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ١٠١، وابن ماجة في الزهد باب ٢٧.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٣٢٠، ٤١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>