وقوله تعالى:(وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ)[الطلاق: ٧] هو من هذا، أي: كان رزقه بقدر كفايته لا يفضل منه شيءٌ، ليس (١) المراد ضيِّق عليه رزقه فلا يسعه، ولهذا قال:(فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)[الطلاق: ٧]، ومن كان رزقه أقلَّ من كفايته فمِنْ أين ينفق؟! والله تعالى يرزق العبد ما يسعه، ويرزقه ما يفضل عنه: فالأوَّل هو الذي قدر عليه رزقه- أي: قدَّر بكفايته-؛ والثَّاني: هو الغنيُّ الموسَّع عليه.
وقوله تعالى:(فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)[الأنبياء: ٨٧] ليس من التَّضييق، وإنَّما هو من التَّقدير، والمعنى: أن لن نُقدِّر عليه ما قدَّرناه من السِّجن في بطن الحوت، وهي لغتان: قدَر وقدَّر عليه- بالتَّخفيف والتَّشديد-، قال الله تعالى: أفَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) [المرسلات: ٢٣] قرأ نافع والكسائيُّ: (فقدَّرنا) - بالتثقيل- وخفَّف الباقون لقوله:(فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾، ووجه التَّثقيل قوله: (مِن نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه)[عبس: ١٩] أجمع على تشديده، أي: فنعم القادرون نحن على تقديره.
وقال تعالى:(وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى)[الأعلى: ٣] قرأ الجمهور بالتَّشديد، وقرأ الكسائيُّ بالتَّخفيف.
وقال الشَّاعر:
ولا عائذٌ ذاك الزَّمان الذي … مضى تباركت ما تقدرُ يكن ولك الأمر
أي: ما تقدِّره يقع.
وهذا معنى تفسير السَّلف:(فَظَنَّ أَن لَن نَقْدِرَ عَلَيهِ)[الأنبياء: ٨٧]: أن لن نفعل به ما فعلناه.