وقد حكى لنا مشايخنا أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لما ورد مصر سأله بعض أهلها عن تصنيف شيءٍ في الجهر، فصنَّف جزءًا، فأتاه بعض المالكيَّة فأقسم عليه أن يخبره بالصَّحيح من ذلك، فقال: كلُّ ما روي عن النَّبيِّ ﷺ في الجهر فليس بصحيحٍ، فأمَّا عن الصَّحابة فمنه صحيحٌ، ومنه ضعيفٌ.
ثُمَّ تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظنَّ أنَّه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبيَّنا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التَّعليق، ولم نر أحدًا ممَّن صنَّف تعاليق الخلاف ذكر في تعليقه ما ذكرنا، ولعلَّ أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنَّما بسطنا الكلام بعض البسط لأنَّ هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النَّقل.
ثُمَّ إنَّا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين:
إمَّا أن يكون جهر بها للتَّعليم أو كما يتَّفق، كما روي أنَّه كان يصلِّي بهم الظُّهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا.
والثَّاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر، فقد روى أبو داود بإسناده:
٧٢٢ - عن سعيد بن جُبير أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان يجهر بـ «بسم الله الرحمن الرَّحيم»، وكان مسيلمة يُدعى:(رحمان اليمامة)، فقال أهل مكَّة: إنَّما يدعو إله اليمامة. فأمر اللهُ رسولَه بإخفائها، فما جهر بها حتى مات (١).