للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدرس المذهبين معًا، فأسد بن الفرات كان يتكلم في كتب أبي حنيفة. وكان الطلاب يقولون له: أوقد القنديل الثاني يا أبا عبد الله فيتكلم في المذهب المالكي (١)، وابن غانم كان يدرس مذهب أبي حنيفة كل يوم جمعة (٢).

ثم جاء بعد هؤلاء إمام عظيم كان له دور بارز في تثبيت مذهب الإمام مالك ونصرته في إفريقية، أعني الإمام عبد السلام بن سعيد التنوخي المعروف بسحنون، الذي كان عهده فتحًا جديدًا للمذهب المالكي. فصار هو الظاهر والغالب بسبب هذا العالم الذي انتهت إليه رئاسة العلم بإفريقية في عهده. فكثر تلاميذه، حتى بلغ مشاهيرهم نحو سبعمائة (٣) كلهم يحفظ ويلم بمدونته المشهورة. قال محمد بن حارث: "ثم قدم سحنون بذلك المذهب واجتمع له مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض، فبارك الله فيه للمسلمين فمالت إليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ، قد أمحى ما قبله فكان أصحابه سرج أهل القيروان" (٤).

ولعل ما ساعده على ذلك توليه لمهمة القضاء التي نجح فيها. فكانت هذه الولاية مساعدة له في ترسيخ مذهب مالك. ولم تكن هي السبب الرئيس كما زعم ابن حزم حيث قال عند حديثه عن دور يحيى بن يحيى في نشر المذهب المالكي في الأندلس وجعل منصب القضاء حكرًا على المالكية بالأندلس فقال: "وكذلك جرى الأمر في إفريقية لما ولي القضاء سحنون بن سعيد، ثم نشأ الناس على ما انتشر" (٥).

ثم جاء بعد سحنون تلاميذه الذين يتمز عصرهم بالصراع العلمي الحاد


(١) ترتيب المدارك ٣/ ٣٠٢.
(٢) المصدر السابق ٣/ ٦٧.
(٣) تطور المذهب المالكي ص ٤٨.
(٤) الترتيب ٤/ ٥١.
(٥) المغرب ١/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>